رواية درب المتمرد(كامله جميع الفصول) بقلم هدي زايد

من خلال موقع بليري برس تستعرض معكم في هذا المقال ،رواية درب المتمرد(كامله جميع الفصول) بقلم هدي زايد ، لمزيد من التفاصيل حول المقال تابع القراءة
رواية درب المتمرد (كامله جميع الفصول) بقلم هدي زايد
لعنة عشقها الاسود
الفصل الأول
¤¤¤¤¤¤¤
حاول ” نوح” أن يتحامل على نفسه ليساعد زوجته على النهوض، هرعت “هاجر” ابنة أخيه لتخبر العائلة بما حدث كاد أن يصرخ من فرط غيظه وغضبه الشديدان، هرول ” طلال” و هو يلتقط أنفاسه بصعوبة بالغة متسائلا:
– في إيه يا بابا هاجر بتجري ليه ؟!
نظر أسفل قدماه وجد والدته فاقدة للوعي حاول إسعافها بما يعرفه عن حالات الإغماء، ثوانٍ معدودة وعاد إليها الوعي بشكلٍ كامل، نظرت لابنها ثم زوجها وقالت بتوسل
– صفوان فين يا نوح ابني جرا له إيه ؟!
ترمها ولم يرد على حديثها بكلمة واحدة، بينما ساعدها “طلال” و سار خلفه تجاه الطابق العناية المشددة التي يرقد بها ” صفوان” وصلا ثلاثتهما أخيرًا في ذات اللحظة التي خرج فيها الطبيب من الغرفة سأله نوح بنبرة متوجسة قائلًا:
– خير يا دكتور ابني عامل إيه ؟!
رد الطبيب بجدية وعملية قائلا:
– القلب وقف
تراجعت ” رُبى” للوراء بينما لحق بها ولدها البكر و عيناه معلقتان على الطبيب الذي تابع حديثه قائلا:
– و الحمد لله قدر نلحق ونعمله إنعاش من جديد بس للأسف دخل في غيبوبة
سأله ” طلال”قائلًا:
-طب هايفوق منها إمتى يا دكتور ؟!
إجابه الطبيب بأسف قائلا:
– للأسف دي حاجة في علم الله ادعوا له ربنا يخرجه منها على خير .
ختم حديثه قائلا بعتذار:
– أنا آسف يا أستاذ نوح بس أنا مضطر ابلغ النيابة لأن التقرير أثبت إن ابن حضرتك كان شارب وقت الحادثة
رد ” نوح ” بعدم استيعاب قائلا:
– ابن مين اللي كان شارب ابني صفوان صفوان ابني أنا شارب ازاي يعني ؟!
رد الطبيب بأسف قبل أن يغادر
– للأسف دا أول إجراء بنعمله أول ما بنستقبل الحالة وابن حضرتك كان شارب خمور بنسبة كبيرة عن أذنك يا أستاذ نوح
نظر ” نوح” لابنه متسائلا بغيظٍ مكتوم
– اخوك بيشرب من إمتى يا بيه ؟!
طأطأ ” طلال” رأسه عاجزًا عن الإجابة بينما توسلته ” رُبى” قائلة:
– ابوس ايدك يا نوح مش وقته خالص الكلام في الموضوع دا ادعي لابني يرجع لي بالسلامة وكفاية وجع لحد كدا
نظر ” نوح” لابنه وقال بنبرة آمرة
– اتفضل خد والدتك وارجعوا البيت لازم نطمنهم قبل ما بنت عمك تقلب الدنيا
– لا مش هاسيب ولادي يا نوح مش هاسيب ولادي .
رد ” نوح” بنبرة” حانية قائلًا:
– معلش يا حبيبتي لازم عشان جنازة محمد الله يرحمه هتخرج من بيتنا ولازم تعزي والدته
انسابت الدموع من عيناها ما إن ختم زوجها حديثه ردت بنبرة متحشرجة قائلة:
-مش قادرة احط عيني في عينها هقولها إيه ؟! هقولها ابنك راح بسبب ابني وتهوره !
رد “طلال” اخيرًا ليعلن عن وجوده قائلا:
– ماما صفوان مش لوحده اللي شرب في الليلة دي وولادها كمان شربوا وبعدين اخويا ملوش ذنب أنا عار….
رد ” نوح” مقاطعا ولده قائلا بنبرة حادة
– ولا كلمة و اتفضل اعمل اللي قلت لك عليه يابيه يا محترم
تابع بهدوء قائلا:
– وأنتِ يا رُبى روحي مع ابنك
ردت ” رُبى” بإصرار قائلة:
– قلت لا يعني لا
تركها ” نوح ” و ذهب مع ابنه ليُنهي مراسم استخراج الجثمان و بعد عناء شديد نجح في ذلك
استقل السيارة على المقعد المجاور لمقعد ” طلال” وظل يسأله دون هوادة
– اخوك بيشرب من إمتى ؟ وليه معرفتنيش؟!
سكت طلال و لم يستطع الرد عليه،و لكن إصرار
” نوح” كان أكبر من صمته فقرر أن يرد قائلا بكذب:
– مش عارف بس دي تقريبا اول مرة لأن ماشوفتوش بيشرب قبل كدا
– عليا أنا الكلام دا ؟! صفوان كل أسراره معاك والصغيرة قبل الكبيرة تعرفوها عن بعض حتى مصايبكم السودا بتعرفوا ازاي تتداروها عن الناس وكل ما اسأل حد فيكم عن حاجة يقولي معرفش يا بابا
تحمل ” طلال” كلمات والده القاسية وسخطه عليه
كي يمرر اليوم الذي لا يمر والذي على مايبدو أنه لن يمر بسلام بدأت الاتصالا تنهال عليه من حدبٍ و صوب تنعيه عن وفاة أخيه، لم يعد يعرف ماذا يفعل مع كل مكالمة. قرر أن ينشر منشور للعام يقول فيه حقيقة سوء الفهم الذي تسببت فيه ابنة عمه و لكن ليس الآن حتي لا يقـ تله والده .
******
على الجانب الآخر
وتحديدًا داخل الغرفة المشتركة بين ” أناهيد وورد” كانت جالسة تمرر بين الصفحات حتى سقطت عيناها على منشور نعي من المدرسة وإدارتها وداخل هذا المنشور إشارة إلى حساب بإسم ” طلال المحمدي” تمتم بحزنٍ قائلة:
– لا إله إلا الله إنا لله وإنا إليه راجعون
في إيه يا أناهيد مين مات ؟
قالتها ” ورد” و هي تمشط خصلات شعرها الطويل
دا المدرسة منزلة إن اخو مستر طلال وجوز اختو واخته إن العربية اتقلبت بيهم وكلهم ماتوا و الدفنة هتطلع من بيتهم بكرا بعد صلاة الجمعة أنتِ هتروحي ياورد ؟
سقط المصفف الكهربائي من يدها، ما إن وصل إلى مسامعها اسم ذاك المسكين الذي كان يحدثها منذ أيام قليلة تمتم بنبرة مختنقة قائلة:
– لا حول و لا قوة إلا بالله و ياترى مين من ولاده اللي مات ؟
– سيدرا و صفوان و العريس هي كاتبة كدا
-ايه قلتي مين صفوان مين اللي مات أنتِ متأكدة ؟
– اه والله يا بنتي و ادي البوست اهو اقرئي بنفسك
– ازاي بس دا كان لسه معايا من كام يوم لما رجعت له التليفون و كان زي الحصان مات ازاي
– يابنتي بقولك حادث العربية اتقلبت بيهم مش عيان ومات !!
– ياعيني عليك يا صفوان وجعت قلب أهلك عليك أنت و اختك
ردت ” أناهيد ” متسائلة بفضول قائلة:
– هتروحي يا ورد ؟!
اجابتها ” ورد” بنبرة مختنقة و قالت:
– أنتِ شايفة إيه ؟!
– أنا شايفة إنك تروحي دا الأستاذ بتاعك و غير كدا وكدا إحنا جيران و الموتة صعبة مظنش محدش مش هيروح غيري
عقدت ” ورد” ما بين حاجبيها وقالت:
– و ليه بقى ؟!
وقفت ” أناهيد تنظر لصورتها المنعكسة أمام المرآة جاذبة أطراف خصلاتها و قالت:
– مش عاوزة اللي اسمه طلال يفهم غلط
ردت ” ورد” قائلة :
– ازاي يعني مش فاهمة ؟!
عقصت ” أناهيد” خصلات شعرها على شكل كعكه و هي تقول بنبرة حائرة:
– مش عارفة ليه عندي احساس إنه حد قاله حاجة عن اللي حصل لي عشان كدا معاملته اتغيرت معايا
ابتسمت ” ورد” بجانب ثغرها و قالت :
– وهو مين في المدرسة كلها معرفش حكايتك مع مستر حاتم !!
جلست ” أناهيد” على المقعد و هي تقول بمرارة
– حسبي الله في كل حد أذني بكلمة واتكلم في حقي كلمة مش حلوة
انتشلتها ” ورد ” قائلة بجدية
– ماينفعش متروحيش هايبقى شكلك وحش خصوصًا إن المدرسة كلها رايحة .
و بعدين احنا هنروح دلوقتي عشان بكرا هايبقى الدنيا زحمة
ردت ” أناهيد” قائلة بشكٍ
– زحمة ولا مبتحبيش تروحي أول يوم في العزا والجنازة زي العادة ؟!
*******
بعد مرور ساعة وبعد أن انتشر الخبر كالبرق في سرعته تجمعت النساء داخل منزل الجدة ” ولاء”جلست الجدة بين النسوة و بعد أن اتأها نصف الخبر وليس كله، هدرت بصوتها المرتفع .
آآآآه يا صفوان يا حر قة قلبي عليك يا حبيبي ياللي كنت حبيب و سند للكل يا صفوان
قالتها ولاء و هي يدها فوق رأسها محاولة إستيعاب ما حدث لأحفادها، لم تنجح بناتها في تهدأتها الجميع من الأساس في حالة يرثى لهم كادت أن تفقد عقلها رغم إيمانها الشديد بالله عز وجل إلا أن ما حدث فوق قدرتها على التحمل
تابعت حديثها قائلة بمرارة
– ياللي مكنتش بتعرف تأكل اللقمة من غيري يا حبيبي ياللي كنت تسألني خدتي علاجك يا ستي ولالا، آآآه ياصفوان مين هايدخل عليا من بعدك مين هيسأل عليا و يستخبى في ضهري و يقولي حوشي بابا عني ياستي
ردت إحداهن قائلة بعقلانية:
– اذكري الله يا حاجة اللي بتعملي دا حرام هو عند اللي أحسن مني و منك ادعي له بالرحمة
هدرت ولاء بنبرة مريرة قائلة
– ارجع يا صفوان و أنا اجوزك معايا في شقتي ارجع ياحبيبي و متزعلش مني ياغالي
ختمت حديثها قائلة
الصبر من عندك يارب الصبر يارب الطف بيا يارب
كانت ورد جالسة بين النسوة تاركة لدموعها العنان كلمات الجدة تقشعر لها الابدان، هذه المرة الأولى التي تحضر في عزاء اليوم الأول منذ وفاة والدتها لم تتحمل كلماتها الوضع غاية في الصعوبة، انهارت في البكاء دفنت وجهها بين كفيها، خارت كل قواها تلك الكلمات قاسية على قلبها، لم تتعامل معه بشكلٍ شخصي لكن دموعهم تخبرها بأنه خير السند و الصديق و على ما يبدو أنه حبيب لإحداهن و كان ينوي الزواج منها عن قريب لكن يا تُرى أين هي ؟!
حركة غريبة فتحت عيناها عليها وجدت مجموعة من الشباب يقفون على أعتاب باب الشقة، كان طلال واقفًا يأمر النساء بهدوء
– لو سمحت المكان يفضى عشان نعرف نتحرك
ردت الجدة صارخة بعتابٍ
– خلاص يا طلال جبت اخوك على ضهره بعد ما خرج من البيت على رجله اخس عليك اخس
بدأت الشباب تساعد طلال في تجهيز المكان، ومن النسوة كانت أناهيد و هاجر ابنة عم طلال، سقطت أناهيد إثر دفعة طلال للجميع بعنف حين بدوأ يلتفون حول الجثمان شعر بعظامها يئن كتمت تأواهتها حتى تخرج بسلام من هذه الغرفة .
حمل الشباب الجثمان صعدوا الدرج بهدوء، وقف نوح على اعتاب باب الشقة و قال برجاء و توسل
– الله يرضى عليكم بلاش اسمع صوت حد بيصرخ الله يكرمكم بلاش صريخ اللي صوتها هايعلى تستحمل اللي يجرى لها رددوا لا إله إلا الله و بس
رفعت النساء إصبع الشهادة وهن يرددن الشهادة بينما صرخت الجدة و الأحفاد بدأت حالة الهرج و المرج تعم المكان ما إن بدأ الشباب يلج و الجثمان بين يديهم أشار نوح بالرجوع مرة أخرى للشباب قائلا بنبرة حادة
– أنا عارف من الاول إننا مش هنخلص ارجع ارجع تاني يلا
رد طلال بهدوء قائلًا:
– هنرجع فين بس يا بابا دا مافيش وقت نهائي هما خمسة و هايسكتوا دخلوا و اللي هايتكلم هنطلعوا برا ارجوك يا بابا إكرام الميت دفنه مش بهدلته
ولج طلال و خلفه الشباب بدأ يتعامل لاول مرة في حياته بفظاظة و قلة حياء ليُسيطر على الامر
وضع اخيرًا الجثمان على الفراش، في هدوء و راحة خرجت الشباب ووقف طلال على اعتاب الباب و قال بمرارة في حلقه
– اللي عاوز يدخل يودعه يدخل بس اللي هاسمعها بتصوت و لا بتعمل كلام ملوش لازمة صدقوني هتزعلوا مني
ردت الجدة مقاطعة حفيدها قائلة
– محدش يدخل عليه، الواد مش فرجة محدش يدخل عليه و يوجع لي قلبي
كاد أن يخرج من المكان لكن استوقفته عمته ملك قائلة:
– هو هايخرج الساعة كام ؟
-بعد العصر ياعمتي
نظرت اناهيد لأختها و قالت بتعبٍ واضح
– انا هامشي اشوف دراعي ماله و لو عرفت اجاي تاني هاجي ماشي
– ماله دراعك؟
– مستر طلال و هو بيزق بنت عمه وقعني وحسيت بوجع جامد اوي ربنا يستر و مايكنش اتكسر انا هانزل بقى
خرجت أناهيد من شقة الجدة و هي تتحامل على نفسها هبطت الدرج، همست بصوتٍ هادئ قائلة
– عديني لو سمحت !
استدار يونس بجسده كله تجاه تلك التي همست لتعبر البوابة الحديدية، وهي تحمل معصم يدها بكفها الآخر، خرجت من البيت متجه للمركز الطبي
الذي يقطن عند بداية الحارة، نظر يونس لـ طلال و قال بتساؤل
– هي مين البت دي ؟
رد طلال وقال
– دي طالبة عندي في المدرسة
سأل يونس حاله قائلا بعدم فهم
– ازاي طالبة في المدرسة إذا كانت هي من كام يوم كانت في الكلية مع آدم و لما سألته قال زميلتي ؟!
رد طلال على سؤال يونس بن عمه بسؤالًا آخر قائلا
– آدم مين ؟ آدم اخويا أنا ؟!
– اه
– أنت متأكد ؟!
– زي ما أنا متأكد إني بكلمك دلوقت
كانت ورد جالسة حذاء الجدة تواسيها تربت على يدها بحنو و هي تقول
– شدي حيلك يا تيتا
ردت الجدة قائلة
– هو فين حيلي دا ؟! ما خلاص صفوان خد كل حاجة حلوة و راح
وقفت ملك أمام الجدة و قالت بمرارة
– قومي يا تيتا شوفي قبل ما يتغسل عشان خاطري أو هاتي المفتاح خلينا نشوفه احنا
أشارت الجدة لحفيدتها تناول يدها من جهة وورد من الجهة الأخرى، سارت تجاه الغرفة وضعت ملك المفتاح في المزلج، هتفت بمرارة وقالت
– يا عريس الجنة يا حبيبي يا صفوان
كشفت الشرشف عن وجهه لتضع قُبلة الوداع، لم تتحمل ما رأت عيناها ظلت تصرخ و هي تقول بمرارة
– آآآه يا حر قة قلبي عليك يا حبيبي آآآه يا حبيبي يا ابني
نظرت ورد لـ ملك ثم عادت ببصرها للجمثام و قال بدهشة قائلة:
– دا مش الأستاذ صفوان ؟!
ردت ملك بمرارة و قالت
– لأ دا جوز سيدرا اخته صفوان لسه في الرعاية
سألتها الجدة بنبرة متحشرجة قائلة
– ازاي إذا كان هاجر قالتـ …
ردت ملك و قالت بمرارة
– الخبر اللي جه لـ مكنش أكيد و لسه عارفين حالًا من نوح إن ولاده لسه في الرعاية
تابعت ببكاء مرير
– يارب الطف بيهم يارب، يارب ردهم لنا و متوجعش قلوبنا عليهم يارب
ختمت ” ملك” بنبرة متوسلة قائلة:
– تيتا أنا مرضتش اقولك برا احسن من الفرحة تزغراطي ولا تعملي اي حركة كدا ولا كدا نوح محرج علينا جامد الله يبارك لك خلي بالك و…
آآآآآه يا حبيبي يا ابني ياللي عمرك راح من غير ماتفرح يا ابني قلت بلاش يا محمد ياما قلت بلاش يا محمــــد
أردفت والدة العريس عبارتها و هي تلج الشقة، صرخات، بكاء، و عويل يدوي المكان، خرجت الجدة ولاء بمساعدة ورد و ملك ما إن وصلا لمسامعهن صراخها، وقفت الجدة تستقبل والدة المتوفى و هي تقول
– شدي حيلك يا أم محمد
ردت والدة محمد بكلمات قاسية قائلة
– ما خلاص الغالي راح، راح، منه لله صفوان، إلهي ما يخرج منها ابدًا و تتدقوا نفس اللي دقتوا آآآه
بدأت النساء تتسأل عن حديث تلك المجذوب التي تدعو على شاب بين يدي الله، لكن التساؤل لم يدوم طويلًا حين اخبرت الجميع بأنه مازال على قيد الحياة و ابنها تبقى له ساعتين و يتوارى بين الثرى ظلت تدعو داعوت تقشعر لها الابدان، لم تتحمل ورد تلك الدعوات، كان قلبها ينقبض كلما دعت دعوة أسوء من الماضية، ردت بنبرة متحشرجة إثر البكاء و قالت
– ها يفيد بإيه لما تتدعي عليه، أنتِ جربتي حر قة القلب ادعي ربنا ما يخليش غيرك يجربها، هو يعني كان قاصد يموت ابنك ما هو كمان بين الحيا و الموت
ردت والدة محمد قائلة
– ربنا يوجع قلب امك و ابوك عليك يا صفوان أنت و أختك يارب احر ق قلوبهم زي ما
حر قوا قلبي
ردت ورد مقاطعة بهدوئها المعتاد
– ربنا يهديكِ و يربط على قلبك و يصبرك، بالله عليكِ ما تدعي على حد ادعي لابنك بالرحمة هو محتاج للدعاء دلوقتي أكتر من أي وقت فات
جلست ملك حذاء جدتها و قالت بنبرة مغتاظة
– ست قليلة الأدب و الله لولا الظرف اللي احنا في كنت طردتها من البيت
ردت الجدة ولاء قائلة
– معذورة يا بنتي ضناها و ربنا ما يحر ق قلب حد على ضناه كل اللي هي في دا أنا كنت في من دقايق ربنا يبرد نار ها و يربط على قلبها
بدأ مجموعة من شباب عائلة العريس تصعد سلالم الدرج وقف أخيه و قال بنبرة مختقنة إثر البكاء
– السكة لو سمحت عاوزين ناخد محمد
ردت والدته بحر قة قائلة
– ادخل خد اخوك جـ ـثة يا إبراهيم ادخل خده
وقفت ملك أمام إبراهيم شقيق الراحل محمد و قالت بهدوء
– البقاء لله يا إبراهيم
– الدوام لله وحده
– بص يا حبيبي هو حقك تاخده بس إكرام الميـ ـت دفـ ـنه مش بهدلته و إنتوا بينكم و بينا مش أقل من ساعتين و نص و هنا و هناك واحد فـ….
ردت والدة محمد و هي تثب من مكانها، جذبت ولدها من يده آمرة إياه بنبرة هستيرية قائلة:
– ادخل خد اخوك دول ناس مابيجيش من وراهم غير حر قة القلب ها تشيل اخوك و لا اشيله أنا
رد إبراهيم و قال بمرارة في حلقه
– اهدي يا ماما اهدي بالله عليكِ، ضغطك هايعلى
سقطت والدة محمد و قالت بمرارة و هي تتوسل ولدها قائلة من بين دموعها
– أنا هاشيل اخوك ما أنا ياما شيلته زمان آآآآه يا حر قة قلبي عليك يا حبيبي
لم تهدأ والدة محمد إلا عند خروج جثمان ولدها من بيت عائلة المحمدي، التي لا يأتي من ورائها سوى المتاعب كما قالت له و لم يستمع لها، ليته يستمع لها و لم يحدث له ما حدث الآن .
بعد مرور عدة ساعتين
وصلت ورد لـ بيتها و هي تلتقط أنفاسها، ولجت غرفتها و جدت اناهيد تضع ذراعها علي حامل طبي سألتها بنبرة ساخرة
– هو اتكسر و لا إيه ؟
ردت أناهيد بنبرة مغتاظة قائلة:
– ايوة كـ ـسر إيدي إلهي تتكـ ـسر إيده
نزعت ورد حجابها ثم فردت خصلات شعرها الطويل الذي يصل لردفيها، استدارت نصف استدارة و هي تقول
– حرام عليكِ هو مكنش قصده
ردت أناهيد بغيظٍ شديد قائلة:
– قصده بقى و لا مش قصده ربنا يسهل له
جلست ورد على الفراش المقابل لفراش اختها و قالت بتذكر
– مش صفوان طلع عايش ؟
ردت أناهيد بنبرة متعجبة قائلة:
– ازاي يعني كانت غيوبة دي و لا إيه ؟
ردت ورد بحماس قائلة:
– مش بالظبط كدا، بصي هو حصل سوء تفاهم مكنش حد لحق يعرف اللي حصل قامت هاجر بنت عمه روحت من المستشفى و هـ …
وضعت أناهيد بنبرة ساخرة و هي تضع أناملها أسفل ذقنها و قالت
– و الفرحة اللي على وشك دي بقى سببها إيه ياترى ؟
رفعت ورد كتفيها و قالت بنبرة صادقة
– ابدًا مجرد ما بسمع إن شاب مات قلبي بيوجعني و بعدين الراجل مكنش وحش معايا في الكام مرة اللي اتعاملت معاه كان شهم و جدع دا غير إن الموتة نفسها توجع القلب
ردت أناهيد بفضول قائلة:
– احكي إيه اللي من بعد مامشيت إيه اللي حصل ؟ دا شكل الحوار كبير
رفعت ورد كتفيها قائلة بنبرة عادية
– و لا كبير و لا حاجة من الاول كنت حاسة إن عم نوح متماسك بطريقة غريبة مش واحد راح منه ابنه حتى طلال بيروح و بيجي اه حزين بس مش حزن اخ على اخوه لقيته بيكلم عمته اللي كانت منهارة و هوب مرة واحدة بقت حد تاني خالص و طلبت من جدتها تفتح الاوضة و هنا عرفت إن دا عريس سيدرا مش صفوان
سألتها اناهيد بنبرة داهشة
– أنتِ دخلتي الأوضة معاهم؟!
أجابتها ورد موضحة
– الموضوع جه بالصدفة البحتة انا مكنش في نيتي نهائي ادخل
نامت أناهيد على جانبها الأيسر واضعة باطن كفها أسفل خدها و قالت بفضول
– و بعدين إيه اللي حصل ؟!
ردت ورد قائلة
– مافيش حاجة حصلت غير إن مامت العريس اخدته بالعافية
تابعت بنبرة مغتاظة قائلة
و فضلت تدعي قد كدا على صفوان ست اعوذ بالله عليها أنا من كتر الدعا بتاعها جسمي قشعر و متحملتش اسمعها
ابتسمت أناهيد ملء شدقيها قائلة بسخرية
– و إيه كمان ياست ورد احكي لي احكي لي دا باين عليا فاتني كتير اوي منك لله يا طلال أنت السبب !
تمددت ورد بجسدها على الفراش و قالت بنبرة مقتضبة
– لا كتير و لا قليل ادينا رحنا و عملنا الواجب و الحمد لله إن ربنا جابها سليمة للناس دي
– أنتِ هاتنامي ؟
– اه من امبارح و أنا صاحية و تعبانة
– طيب
كادت أناهيد أن تغلق عيناها هي الأخرى لكنها رفعت رأسها و قالت:
– صحيح هي العروسة عملت إيه قصدي سيدرا ؟!
ردت ورد و هي تضع معصمها على عيناها و قالت
– بيقولوا إن في كـ سـر في ايدها و رجليها بس لما عرفت جالها إنهيار عصبي و هتفضل في المستشفى شوية
ردت أناهيد بنبرة متعاطفة قائلة
– الصراحة ربنا يكون في عونها، واحدة غيرها كان جالها جنان، فرحتها ادمرت في أكتر يوم بتستناه أي بنت يا ترى ها تعمل إيه لما تشوف صفوان اخوها تفتكري ها تكرهُ ؟!
– مظنش لأنه أكيد مش قصده، بس أكيد بينها و بين نفسها هتزعل على حلمها اللي ضاع
ردت أناهيد مشددة على كلماتها الأخيرة قاصدة بيها أختها قائلة:
– الأخ ما بيتعوضش يا ورد يروح الحبيب ويجي الف لكن الأخ مستحيل يا ورد .
لم ترد ورد متظاهرة بالنوم،استمعت لكلمات أختها و بم تعقب، بينما كانت ” أناهيد” تدعو لها بالهداية و أن يبصر الله طريقها و تعاملها كـ أخت لها و ليس مجرد فتاة تمكوث معها في نفس الحجرة.
أما ورد كانت في عالمًا آخر، عالم يتجدد دائمًا كلما سمعت خبرة وفاة أحدهم، لم تنسَ حتى الآن يوم وفاة والدتها كانت تبلغ من العمر اثنا عشر عاما حين وقفت علىي غُسل و الدتها قرابة العمر الخمس أعوام بل تجاوزتهم بستة أشهر و عشرين يومًا و خمس ساعات، تعلم كم مر من الوقت، تشتهي اليوم الذي ترد فيه الصاعين صاعين للجميع .
❈-❈-❈
بعد مرور ثلاثة أسابيع
عادت سيدرا للبيت كان طلال يحملها بين ذراعيه
هزت رأسها علامة الرفض لكنه شاكسها كلماته قائلا:
– هو أنا صحيح كبرت بس مكبرتش اوي كدا
حاوطت سيدرا رقـ بته بيـ ــدها، نظر لها و قال بجدية مصطنعة
– لو نوح شافنا كدا هايغيير مننا عشان هو عجز و انا لسه شباب و لسه بشيلك بردو.
وضعت سيدرا رأسها على كتفه كما كانت تفعل دومًا ارخت جفنيها و شبح إبتسامة يزين فاها
صعد بها حتى الطابق الثالث رغم محاولات الجدة في أن تبقى معها إلا إنها رفضت و طلبت أن تبقى داخل غرفتها بشقة أبيها، وضعها طلال برفق على حافة فراشها، ثم طبع قُبلة خفيفة على رأسها و هو يقول
– تحبي اجيب لك عصير أو تأكلي حاجة خفيفة ؟
– مش قادرة يا طلال عاوزة انام
أعاد خصلة متمردة على وجهها وضعها خلفها أذنها و قال
– حاجة خفيفة عشان أنتِ من الصبح مأكلتيش حاجة خالص و حياتي عندك
تابع و هو يضع قدح العصير قائلا:
– و حياة تيتو عندك
بعد إصرار شديد منه تناولت رشفات قليلة صم قالت بتوسل
– مش قادرة صدقني يا تيتو كفاية كدا
– خلاص يا حبيبتي اللي يريحك
سألها باسل بهدوء قائلا
– تحبي اشغل لك التليفزيون ؟ و لا اجيب لك حاجة ؟
هزت رأسها علامة الرفض، جلس على الجهة الأخرى آدم و هو يضع يده على مؤخرة رأسها متسائلا بنبرة حانية
– مش عاوزة أي حاجة تاني نعملها لك ؟
ردت بنبرة مرير و هي تنظر لصورة أخيها الذي يحملها فوق ظهره في الصغر و بجانبها صورة مماثلة لهما في الكبر و قالت
– عاوزة صفوان يرجع لي مش عاوزاه يروح مني هو كمان
ارتمت بحضن آدم و دموعها تنساب على وجنتها، ربت بخفة على رأسها ثم قال بنيرة مختنقة
– إن شاء الله راجع لنا، ربنا كبير و هايلطف بينا و الله ادعي له بس يقوم بالسلامة وهو بطل وهايقوم منها.
كفكف طلال دموعها و هي تنظر لسقف الغرفة تناجي ربها بتوسل قائلة
– كفاية عليا واحد يارب أنا مش قد الاختبار دا، أنا عارفة إن دا بلاء عظيم و أنت رحيم، حاوط اخويا برحمتك يارب و رجعه لي بالسلامة يارب
ختم طلال دعائها قائلا بنبرة مريرة
– ربنا يسمع منك يارب يا حبيبتي، يلا بقى عشان ترتاحي شوية قبل ما بابا يجي دا ها يتجنن عشان يقعد معاكِ .
خرج طلال و خلفه اخواته من غرفة سيدرا، كانت تتظاهر بالنوم إلى أن اوصد اخيها باب حجرتها، اعتدلت في جلستها، تحاملت على نفسها ثم اتجهت نحو خزانة الملا بس خاصتها، بحثت بعينها عن صندوق اخيها، حملته و عادت لمكانها
جلست ثم بدأت في فتحه، اخرجت الدفتر و الخطابات التي كتبها من أجل حبيبته، كانت دموعها تنساب بشكلٍ هستيري، بحثت كثيرًا بين ذكرياته وجدتها جميعها تخص ورد، هدايا يريد أن يهديها لها لكنه يستحي، و كلمات يتوق شوقًا أن يُلقيها على مسامعها لكن حياؤها يمنعه من ذلك، قرأت بنبرة مرتعشة كلماته التي كتبها
( النهاردا بقالي سنة بالظبط بشوفك يا وردتي الحلوة، بقالي سنة بحبك يا سُكرتي، و مش عارفة اعبر لك عن اللي جوايا
توقفت سيدرا عن متابعة الكلمات لتلتقط انفاسها من بين شهاقتها، بلعت مرارة حلقها و تابعت
( محدش يعرف الموضوع دا غير ربنا و سيدرا، مش عارف لما تتجوز هاحكي لمين، مش يمكن ربنا يحنن قلبك عليا و تبقي معايا وقتها، آآه يا ورد لو تعرفي بحبك قد إيه
تعالت شهاقتها و نحيبها حتى قرأت آخر سطر بالورقة و قالت
( أنا كل حاجة بعملها و عملتها عشانك، حتى السفر كرهته عشان بيبعدني عنك، أنا صحيح بشوفك يومين في الأسبوع بس متعرفيش اليومين دول عاملين ازاي بالنسبة لي، نفسي اتكلم معاكِ بدل ما أنا بكلمك في ورق، نفسي اسمع منك كلمة حبيبي قبل ما امو ت )
ضمت سيدرا الخطاب لصدرها و كأنها تضم أخيها، رفعت بصرها لسقف الغرفة و قالت بمرارة
– يارب يرجعك ليا يا حبيبي و تتهنى مع اللي بتحبها و تسمعها طول العمر
كفكفت دموعها و لملمت متعلقاته، وقعت عيناها على علبة مخملية من اللون الأحمر القاتم، فتحتها وجدت بها قيرط من الذهب، كان داخل حقيبة صغيرة من القماش الشفاف، بداخلها ورقة صغيرة
فتحتها قرأتها بعيناها
( قلبي واجعني لما قلتِ إنك بعتي حلق مامتك عشان التليفون ماهنش عليا دموعك يا حبيبتي، يا ريتك خدتي تليفوني كان زماني بعرف اتكلم معاكِ نفسي ارجع لك الحلق بس خايفة تقفلي في وشي باب ها مو ت و يتفتح )
من جديد دموعها تتسابق لتهبط بغزارة على خديها لكنها تماسكت قليلًا و هي تكفكف دموعها تحاملت على نفسها لتقف مرةً أخرى، وضعت الصندوق محله، عدا الصندوق الصغير الذي يوضع فيه القيرط، أسفل وسادتها ثم اتجهت نحو باب حجرتها تبحث عن طلال أخيها، الذي كاد أن يخرج من الشقة استوقفته قائلة بنبرة متحشرجة
– طلال
نظر لها و قال بحنو و حب
– قلبه من جوا
سألته بهدوء قائلة
– رايح فين ؟
أجابها بنبرة متعجبة عاقدًا بين حاجبيه
– عندي درس
– برا و لا في شقتك ؟!
– لأ في شقتي، ليه ؟
– مافيش بس آخر سؤال معلش
– قولي يا حبيبتي
– هي ورد هتكون موجودة إمتى ؟
– دلوقتي ! هي جوا
– طب بعد أذنك عاوزها
سألها طلال بعدم فهم قائلا:
– خير يا حبيبتي هي عملت لك حاجة ؟
تابع بنبرة صادقة
– مع إن اشُك دي في حالها جدًا و…
ردت سيدرا بنبرة متعبة لا تتحمل اي نقا في الوقت الحالي
– طلال أرجوك مش قادرة اتكلم أنا كل اللي عاوزاه إني اكلمها خمس دقايق لو ينفع
– حاضر ثـ….
قاطعته سيدرا ما إن وافق طلال على ترك ورد لها خمسة دقائق، تجاوزته بخطواتٍ متعثرة إثر التضميض المثبت في قدمها حتى ساقها لأعلى ولجت شقة أخيها وجدت ورد تبتسم إبتسامة باهتة بالكاد ترتسم على ثغرها، نظرت الفتيات لـ تلك المسكينة التي خرجت للدنيا بعد غياب ثلاثة أسابيع تقريبًا، بدأت كل واحدة تظهر علامات الحزن و الأسى و البعض يذيل تلك النظرات بكلمات مواسية، نظرت لهن ثم قالت بهدوء
– شكرًا يا بنات
تابعت بعتذار
– معلش يا ورد عاوزاكِ في كلمتين على إنفراد
نظرت ورد لها ثم تابعت ذات النظرات لـ طلال الذي أومأ برأسه علامة الإيجاب و هو يقول بهدوء
– اتفضلي يا ورد معها
وقفت ورد عن مقعدها، سارت جنبا إلى جنب تجاه تلك المسكينة، ساعدتها في تجاوز عتبة باب شقة والدها وجدته يقف وسط الردهة في انتظار قدومها حاوط رأسها بين كفيه ثم طبع قُبلة على رأسها و هو يقول بحنو و حب
– عاملة إيه يا حبيبتي ؟
– الحمد لله يا بابي
نظرت لـ ورد و قالت:
– دي ورد يا بابا طالبة عند طلال و أنا و هي صحاب من زمان جت تتطمن عليا و تقعد شوية
رد نوح بإبتسامة واسعة
– اهلا يا ورد، تشرفي في أي وقت يعجبك البيت بيتك يا بنتي
– شكرًا يا أستاذ
– لا استاذ إيه قولي لي يا عمي بلاش استاذ دي
– حاضر
– عن أذنك بقى يا بابي عشان الحق اقعد معها
رد نوح بإبتسامة واسعة
– براحتك يا روحي اتفضلي
❈-❈-❈
داخل غرفة سيدرا
بعد أن اوصدت الباب بالمفتاح، قامت بفتح خزانة ملا بسها حملت الصندوق من جديد، جلست على حافة الفراش مقابلتها وضعته بينهما، ثم جذبت الصندوق الصغير و هي تقول بهدوء
– أنا عارفة إن دي حاجة خاص بـ صفوان بس هو يا حبيبي كان نفسه يعرفك ادعي له يقوم منها على يا ورد
ردت ورد بنبرة هادئة
– ربنا يقومه بالسلامة و ترجعوا تاني تتلموا مع بعض .
كفكفت سيدرا دموعها و هي تبتلع مرارتها، ناولتها علبة صغيرة مدت ورد يده و أخذتها، فتحتها وجدته قيرط والدتها الذي عرضت عند أحد محلات المصوغات، رفعت بصرها ذاهلة كادت أن تتحدث لكنها قاطعتها سيدرا مشيرة برأسها تجاه الورقة التي سقطت دون أن ترأها ورد و قالت
– اقرئي يا ورد الورقة دي و أنتِ تفهمي
عادت ورد تقرأ ما كتبه صفوان، كانت تتنقل بين السطور تسارعت خفقات قلبها، صدرها يعلو يهبط
ابتلعت لعابها بصعوبة بالغة و كأنه يقف أمامها يعترف لها، حالة من الغضب، الحزن، التعاطف، و التيه بين الرفض و القبول بما يدور في هذه الغرفة
لم تسأل سيدرا و لم تغضب أو تثور، كما كانت تريد في بادئ الأمر عن سبب اصطحابها لهذه الغرفة، الآن لم تمهلها من الأساس وقتٍ للتفكير.
وضعت بين يدها مجموعة من الأوراق و الهدايا
حدثتها بنبرة مختنقة قائلة:
– أنا عارفة إنك متلغبطة و مش عارفة أنتِ عاوزة تقولي إيه أو تعملي إيه ؟
سألتها ورد بعدم فهم قائلة:
– المفروض عليا اعمل إيه يعني بعد كل اللي قرأته و شفته دا ؟
تجاهلت سيدرا نبرة الجمود التي استشعرتها في صوت ورد و التي برعت في اصطنعها، احضتنت كف تلك الجميلة الذاهلة مما يحدث في هذه الغرفة و قالت بنبرة تملؤها التوسل
-ورد أنا عارفة إن اللي بطلبه دا غريب و ممكن ترفضي بس صدقيني ماعنديش أي حل تاني غيرك
ردت ورد بعصبية مكتوم
– اللي هو إيه ؟!
– تروحي لـ صفوان الدكاترة بتقول هو صحيح في غيبوبة بس حاسس باللي حواليه، أنا مش طالبة منك غير إنه يسمع صوتك يحس بوجودك يمكن يكون حافز لي و يرجع تاني
سألتها ورد بإبتسامة جانبية قائلة بعدم استيعاب:
– أنتِ بتقولي إيه ؟! اروح لمين ؟!
أجابتها سيدرا قائلة
– روحي لـ صفوان يا ورد مرة واحدة بس يسمع فيها صوتك مرة واحدة ترجعي لينا تاني اخويا بقاله تلت أسابيع في غيبوبة و….
–
ردت ورد مقاطعة إياها بنبرة ساخرة
– و صوتي أنا اللي هايفوقه ليه صوتي في قوة خارقة مثلا !!!
– لأ بس هو اكيد هايحس بيكِ و يرجع تاني لينا
– أستاذة سيدرا ارجوكِ بلاش العاطفة تاخدك اوي كدا و فكري بعقلانية شوية، اخوكِ بين إيدين الله و محتاج مننا الدعاء و….
قاطعتها سيدرا بعصبية قائلة:
– أنتِ ها تخسري إيه أنا مش بطلب منك المستحيل ارجوكِ يا ورد دا أول طلب و آخر طلب بطلبه منك ارجوكِ
عجزت ورد عن الرد وسط توسلات أخته، تريد الهروب منها لكنها محاصرة إياها بكلماتها بطريقة غاية في الصعوبة، ردت ورد بعتذار قائلة:
– أنا آسفة مش ها قدر اعمل لك اللي أنتِ عاوزاه عن أذنك
سارت ورد تجاه باب الحجرة و قبل أن تضع يدها على المقبض الحديدي، نظرت لـ سيدرا التي انزوت في احد أركان الفراش تبكِ في صمتٍ شديد
وضعت نفسها في مأزق بين الرفض و القبول غادرت الغرفة أخيرًا، عادت للشقة المقابلة اعتذرت من طلال الذي بدأت ملامحه تتغير بتغير حالة ورد المزاجية لا يعرف ما الذي حدث بين شقيقته و تليمذته، تابع شرح درسه الجديد حتى الإنتهاء في الموعد المحدد، غادرت ورد قبل أن يسألها طلال عن جلستها مع سيدرا، كادت أن تصل إلى أولى سلالم الدرج لكن استوقفتها قائلة بخفوت
– الحلق بتاعك يا ورد نسيتي عندي
نظرت ورد لـ يد سيدرا الممدودة ثم نظرت لها عاجزة تمامًا عن أي ردة فعل تجاه تلك المجذوبة
لم يكن أمامها سوى أن تأخذ القيرط الذي ورثته عن والدتها و الذي تنازلت عنه من قبل، قفزت بين السلالم تريد أن تصل لبيتها على الفور، تشتهي الهدوء لتعرف كيف تفكر في ما حدث من البداية و حتى اللحظة، وصلت أخيرًا جلست على حافة فراشها قرأت الخطاب المرفق مع القيرط للمرة المئة بعد الالف و شعورها بدأ يتغير عن ذي قبل
ولجت أناهيد و هي تجفف خصلات شعرها الطويل
عقدت ما بين حاجبيها لـ تلك الشاردة التي تقرأ الكلمات بروية، جلست على حافة الفراش مقابل اختها تناولت منها الورقة و بدأ في قرأتها، رفعت بصرها لأختها وقالت بذهول شديد
– صفوان طلع بيحبك ؟
تابعت بتذكر قائلة:
– إيه دا صح هو فاق من الغيبوبة ؟
جذبت ورد منها الورقة و قالت بضيقٍ
– أنتِ مين سمح لك تقرأيها اصلا ؟!
ردت أناهيد قائلة:
– سيبك من كل دا احكي لي إيه الموضوع ؟ و بعدين مش دا حلق مامتك مش قلتِ إنك بعتي ؟
تابعت بغمزة من عيناها قائلة:
– بتضحكِ عليا و تقولي بعتي و هو معـ….
ردت ورد بنبرة جادة قائلة
– ليه قالوا لك عليا أناهيد بمشي مع كل واحد شوية ؟ الحمد لله يا ماما أنا محترمة مش زيك و بعدين يخصك في إيه الحلق بعته و لا لا
نظرت أناهيد نظرة معاتبة لأختها التي تحاشت النظر لها ابتسم إبتسامة باهتة ثم قالت
– الله يسامحك يا ورد، يا أختي ياللي عارفة إني مظلومة و ربنا يعلم، على العموم أنا كنت بهزر معاكِ
وقفت ورد أمام المرآة الصغيرة المعلقة على الجدار و قالت
-متهزريش معايا عشان أنا مبحبش الهزار البايخ اللي زيك
انتهت من ارتداء قيراطها، عادت و نظرت لأختها ثم ختمت حديثها مربتة على كتفها
– يا ريت توفري دور الاخت الحنونة الكبيرة اللي مش لايق عليكِ دا أصلًا يا نونه، أنا و أنتِ لا ينفع نكون اصحاب و لا حتى اخوات احنا اتنين عايشين في نفس الأوضة غصب عني وعنك
ختمت حديثها قائلة
– اقولك ياريت تهتمي بدروسك يمكن ربنا يكرمك و تعدي السنة دي بدل ما أنتِ وصلتي لـ عشرين سنة و لسه في الثانوية كدا
❈-❈-❈
بعد مرور أسبوع
تغيرت أناهيد تمامًا مع أختها لم تتعامل معها من الأساس، اكتفت بالقاء التحية في الصباح أو المساء و لم تنتظر رد أختها، كانت جالسة على سور المدرسة من الداخل، سور لا يتجاوز طوله المتر و نصف، شاردة تحاول أن تجد سببًا واحدًا لهذه المعاملة لم تجد، منذ وفاة والدة ورد و هي تبدلت تمامًا، جاءت صديقة أناهيد و جلست حذائها وضعت في يدها النقود و قالت
– خُدي دي فلوس الجميعة بتاعتك كدا وصلك الف جنيه بعد ما خصمت لك كل حاجة
ردت أناهيد و قالت بهدوء
– خليهم معاكِ و لما احتاج حاجة منهم هابقى اعرفك
وضعت صديقتها النقود مرة أخرى في جيب قميصها و قالت
– خلاص مافيش مشكلة بس عرفيني قبل عشان ابقى عاملة حسابي
– ماشي
– مالك يا أناهيد ؟
– مافيش
– وشك زي ما يكون زعلان في إيه ؟!
تابعت بتساؤل قائلة
– هي ورد متخانقة معاكِ تاني ؟!
– يعني حاجة زي كدا
– هي بتعمل معاكِ كدا ليه ؟
– مش عارفة صدقيني مش عارفة يا سلوى ليه بتعمل معايا كدا
سألتها سلوى قائلة
– يكونش مصدقة الإشاعات اللي الله يحر قه مستر حاتم طلعها عليكِ قبل ما يتنقل ؟
نظرت أناهيد لصديقتها و فجأة و بدون سابق إنذار ارتمت بحضنها اجهشت بالبكاء، خففت عنها سلوى، ظلت تمسد على ظهرها بحنو و هي تقول بضيق
-معلش متزعليش نفسك هي لسه صغيرة، بكرا تكبر و تعرف إنك مظلومة و إنه منه لله الأستاذ هو السبب
ردت أناهيد بصراخ قائلة
– صغيرة !! وردت قربت على التمنتاشر سنة و تقولي صغيرة ؟! كل مرة تتدوس عليا و تحمل عليا و أنا اقول يابت معلش اتحملي بكرا تعقل بكرا تعرف إنك مظلومة، لا بكرا بيجي و لا هي بتحس بيا و في الآخر تقولي صغيرة !!
ردت سلوى بقلة حيلة
-مش عارفة اقولك إيه بصراحة، دا الناس كلها عارفة إن المدرس هو اللي حاطك في دماغه و هي معرفش بتعمل كدا بصراحة ؟!
هدأت قليلًا ثم قالت بنبرة جادة بعد تفكير عميق
– أنا هانقل نفسي من المدرسة
ردت سلوى و قالت
– ايوة عشان الناس تقول دا فعلا بت مش كويسة و بتلف على مدرسين المدرسة لحد ما نقلوها ؟!
ردت أناهيد بنبرة يائسة و قالت
– مش فارقة كتير ما هو من غير حاجة بيتكلموا
تابعت بتساؤل
-هو مستر أحمد فين أنا هسأله مطلوب مني إيه عشان النقل و امشي في .
خطت أناهيد بخطوات واسعة و سريعة خلفها صديقتها بحثت عنها في كل مكان حتى وجدته داخل غرفة المدرسين، هتفت باسمه فأشار لها بالدخول، بدأت تُلقي التحية على جميع الحاضرين عدا طلال و زكريا الذي كان يتابع آخر الأخبار مواقع التواصل الاجتماعي
وقفت أمام الأستاذ أحمد الذي تعتبره بمثابة والدها و قالت بنبرة مختنقة
– مستر هو أنا لو عاوزة انقل نفسي من هنا اعمل إيه ؟
رد الأستاذ أحمد بنبرة ساخرة
– تعملي عبيطة
ابتسمت رغمًا عنها و قالت
– بتكلم جد يا مستر
ترك الأستاذ أحمد مجموعة من الكتب ثم أشار لها بالجلوس مقابلته و قال بنبرة هادئة متخذًا دور الأب الذي تفتقدهُ حقًا
– عاوزة تسيبي المدرسة ليه ؟
ردت بنبرة مختنقة كادت أن تبكي لكنها تمالك أعصابها و هي تسرد له
– تعبت يا مستر من نظرات المدرسين و البنات
كلهم فاهمين إني مش كويسة و انـ….
رد الأستاذ أحمد و قال بعقلانية
– المهم أنتِ شايفة نفسك ازاي، المهم ضميرك مرتاح من ناحية أي حد، سيبك من نظرات الناس و لا صحابك، هو أنتِ فاهمة إنك كدا هاتباني في نظرهم البنت الكويسة ؟! بالعكس هايلاقوا حاجة جديدة يتكلموا فيها
طرق على سطح المنضدة الخشبي و قال
– صاحب الحق عينه قوية و مايسبش حقه أبدًا أنتِ كلها كام شهر و تروحي الجامعة و هناك عالم تاني خالص، هتقابلك مشاكل أكبر من دي و هتعديها عشان أنا عارف أناهيد قوية
لكن اللي قدامي دي واحدة ضعيف معرفهاش و مش عاوز اعرفها، يا بنتي أنا عندي اللي في سنك و اللي أكبر منك، و يشهد الله إني بعاملك زيهم اوعي تسيبي حقك أو تهربي لأنك تعبتي
تساقطت دموعها على خديها و قالت
– بس أنا لوحدي و هما كبار اوي يا مستر
سألها سؤالًا بإبتسامة بشوشة
– هما أكبر من ربنا ؟
هزت رأسها علامة النفي و قالت
– لا طبعًا
– طب خلاص بقى، نكبر كدا و نعقل و نمشي في طريقنا
ختم حديثها قائلا بإبتسامة واسعة
– و لا إيه يا دكتورة أناهيد
ردت ساخرة على هذه اللقب و قالت
– أنا نسيت الحلم دا من سنتين و يائست في إني اوصله
– بس أنا بقى واثقة إنك هاتوصلي له و قريب اوي كمان قومي يلا اغسلي وشك جرس الفسحة ضرب مش عاوز تضيع وقت، و اعملي حسابك أول كشف عندك مش هادفع تمنه
وقفت أناهيد و هي تكفكف دموعها بظهر يدها
و الإبتسامة لا تفارق شفتاها، دخلت المكتب بحال و خرجت منه بحالًا آخر، كلمة تبني و كلمة تهدم كن أنت الكلمة الطيبة التي يحتاج إليها الإنسان و لا تكن الكلمة الخبيثة التي لا تفعل شئ سوى الأذى النفسي داخل الآخرين
*****
داخل غرفة ” صفوان” العناية المشددة كان يرقد بين الأجهزة لا حول له ولا قوة، جميع المؤاشرات تؤكد أن الحالة مستقرة، التحسن يزيد يومًا بعد يوم ولكن مازال في غيبوبته
حتى الآن، ولج ” طلال ” أولًا ليطمئن عليه قبل ذهابه لعمله ككل يوم ووقف ” نوح” بالخارج يشاهد ولده وهو يدنو من أخيه مقبلًا رأسه ثم ظهر يده، تمتم بكلمات لم يسمعها بالطبع أما “طلال” مسد على لحية أخيه الكثيفة و قال بنبرة تملؤها الحزن
– دقنك طولت يا صفوان و أنت مبتحبش كدا قوم وظبطها بقى
سقطت دمعة من عيناه و هو يقول بمرارة
– حاسس إن الحِمل بقى تقيل اوي قوم وشيل معايا قوم عشان خاطر ديدا بنتك وأختك تعبانة عليك
ختم حديثه قائلا بمرارة
– واحشني صوتك اوي يا صاحبي
ولجت الممرضة مشيرة بيدها للخارج وهي تقول بأدبٍ
– من فضلك كفاية كدا و اتفضل
– خمس دقايق كمان ومش هتكلم والله
– لو سمحت متعمليش مشاكل أنا دخلت رغم إن دا مش معاد الزيارة أصلًا
أومأ ” طلال” برأسه علامة الإيجاب قائلًا :
– حاضر
مال بجذعه قليلًا و بين راحتيه كف أخيه، طبع قُبلة على جبينه ثم ظهر يده و قال:
– عاوز المرة الجاية اجاي الأقيك تقولي خرجني من هنا طلال .
غادر ” طلال و نوح ” بعد أن منعته الممرضة الزيارة نظرًا لصعوبة الحالة، اكتفى بأن يرأهُ عبر النافذة بشكلٍ مؤقت، غادرا المشفى متجهين لأعمالهم، كاد أن يتابع طريقه لولا استوقفه والد أناهيد، ترجل” نوح” من السيارة صافحه و حدثه كلمات بسيطة ثم استدار بجسده لينظر لابنه الذي فهم من هذه النظرة أنه يشكو له ما فعله بإبنته، غادر والد أناهيد بعد أن صافح نوح، استقل السيارة و هو يقول بنبرة جادة:
– إيه اللي أنت عملته ما بنته دا ؟!
تظاهر ” طلال” بعدم معرفته بما و قال :
– عملت إيه يا بابا ؟!
– كسـ ـرت للبنت دراعها في يوم الجنازة هو دا جزائها ؟!
تأفف ” طلال” و هو يقول بجدية
– بابا بالله عليك أنت مكنتش شايف الناس عاملة ازاي أنا لاول مرة في حياتي اتعامل مع الناس بقلة ذوق وكنت بزق الناس كلها وهي كانت وسطهم أكيد يعني مكنتش قاصد وباباها دا آسف يعني بس مبيفهمش دا وقت يقول في كلام زي دا ؟!
رد ” نوح” مدافعًا عن والد أناهيد قائلًا:
– الراجل مكنش بيكلمني عن كدا يا بيه كان بيسأل عن أخوك و الكلام جاب بعضه و بعدين مالك متحامل على البنت دي كدا ليه ؟!
رد ” طلال” بكذب قائلا:
– أبدًا مافيش بس كنت بحسب باباها بيكلم حضرتك عشانها مش عشان اخويا عشان كدا اتضايقت وقلت احنا في إيه ولا إيه ؟!
******
لا يا بابا وحياتي عندك لو بتحبني بلاش السلسة دي أنا سيبتها تاخد كل دهبي و حاجتي بس السلسة دي غالية عندي اوي دي من ريحة محمد الله يرحمه .
وقفت ” سيدرا” أمام والدها تتوسله و هي تربت على صدرها محاولة استعطافه بأن يترك لها هذه القلادة، لم يتحمل ” نوح” بكائها و لا حزنها الشديدة بل قهرتها على جميع متعلقاتها بزوجها الراحل، وقفت والدة محمد و جذبت من صدرها القلادة عنوة، تفاجئ الجميع بهذه الحركة غير المتوقعة منها، ردت والدته بنبرة تملؤها الحـ ـقد و الغيظ الشديد
– خسارة فيكي حاجة ابني خسارة فيكي تشيلي اسمه كفاية خدتي منه روحه وعمره كمان عاوزة الدهب
وقف ” طلال” يحتضن شقيقته موجهًا حديثه الغاضب لتلك المرأة المتسلطة و قال:
– احنا لحد دلوقت بنعدي و نقول ربنا يعينها و يصبرها إنـ….
قاطعته والدة محمد بنبرة ساخرة و هي تقول
– مبقاش غيرك اللي يتكلم !
تابعت حديثها قائلة بسخرية
– طب خلي حد غيرك يتكلم احسن وأنت بتكلمني تيجي لك النوبة و تقع زي عادتك يا مريض
ختمت حديثها بحقدٍ وغل قائلة:
– أنا عارفة ربنا خد ابني السليم الجميل وساب واحد زيك مريض صرع يعمل أيه في الدنيا صـ….
يتبع
الفصل الثاني من هنا
في نهاية مقال رواية درب المتمرد(كامله جميع الفصول) بقلم هدي زايد نختم معكم عبر بليري برس