رواية قطة في عرين الاسد الفصل الواحد والعشرون 21 بقلم بنوتة أسمرة
من خلال موقع بليري برس تستعرض معكم في هذا المقال ،رواية قطة في عرين الاسد الفصل الواحد والعشرون 21 بقلم بنوتة أسمرة ، لمزيد من التفاصيل حول المقال تابع القراءة
رواية قطة في عرين الاسد الفصل الواحد والعشرون 21 بقلم بنوتة أسمرة
روايات منى سلامة
▼
الفصل الحادى والعشرون من رواية قطة فى عرين الأسد
– مفكرتيش هعمل ايه لو كان جرالك حاجه .. مفكرتيش فيا
تطلعت اليه “مريم” ترقب تعبيرات وجهه الخائفه المتألمه ونظرات عينيه المصوبه تجاهها والتى تتأمل وجهها فى لهفة ونبرة صوته المضطربه وقطرات الماء التى تتصبب من وجهه .. فجأة وجدت نفسها بين ذراعيه يضمها اليه بشدة كما لو كان يخشى أن تفلت منه .. شعرت بدقات قلبه المتسارعه وبأنفاسه المتلاحقه .. سمعته يتمتم بصوت خافت :
– الحمد لله .. الحمد لله
حاولت “مريم” التحرر من بين ذراعيه لكن “مراد” كان يطبق عليها بشدة ويداه تتشبثان بها بإحكام .. شعرت “مريم” بمشاعر كثيرة متضاربة .. لكنها أسكتت كل تلك المشاعر وسمحت لشعور واحد فقط أن يطفو ويسيطر على كل كيانها .. شعور الأمان الذى شعرت به وهى بين ذراعيه .. أغمضت عينيها لتنعم بهذا الشعور الذى لطالما افتقدته
طال عناقهما وكأن الوقت قد توقف وخلى العالم الا منهما .. لم يشعران إلا بالأمان الذى يشعر به كل منهما فى حضن الآخر .. لم يقطع عليهما تلك اللحظة الا صوت حراس المرفأ القادمون بإتجاه الحريق وأصواتهم تتعالى :
– هاتوا طفاية الحريق بسرعة
– حد يتصل بالمطافى يا شباب
شعرت “مريم” بالفزع عندما سمعت تلك الأصوات التى تعالت فجأة بالصياح .. نظر “مراد” الى الخلف حيث الرجال مقبلون فى اتجاههم ثم نظر اليها قائلاً بحنان :
– متخفيش
شعرت “مريم” بالإضطراب وبالحرج الشديد ابتعدت عنه وابتعد عنها .. التفت “مراد” يتحدث الى الرجال وهو يطبق على ذراع “مريم” بيده :
– اللانش بتاع واحد صاحبى أنا هكلمه حالا
التفت الى “مريم” وأعطاها مفاتيح السيارة قائلاً :
– اعدى فى العربية انتى وهى واقفلوها عليكوا كويس
أومأت برأسها وتوجهت الى “سهى” التى تجلس على أرض المرفأ تبكى .. وجذبتها من ذراعها وتوجهت بها الى السيارة تحت أنظار “مراد” الذى أخذ يساعد الرجال فى اطفال الحريق حتى لا يمتد الى اللانشات المجاورة له
أغلقت “مريم” السيارة من الداخل كما أمرها “مراد” ثم التفتت الى “سهى” التى جلست بجوارها فى المقعد الخلفى وقالت :
– انتى كويسة ؟
قالت “سهى” والدموع تتساقط من عينيها :
– ياريتك كنتى سبتيني أموت
هتفت “مريم” بحده :
– حياتك مش ملكك عشان تنهيها وقت ما تحبي .. حياتك دى ملك لربنا .. ربنا حرم علينا اننا ننهى حياتنا بإيدينا .. ربنا بيقول فى سورة النساء : “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلاَّ أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ مِّنكُمْ وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً” .. انتى بتهربى من ايه لايه يا “سهى” .. انتى فاكره بعد ما تموتى خلاص كده هترتاحى ؟ .. لا يا “سهى” فى حياة تانية بعد الموت .. حياة أبديه .. هتتحاسبي فيها عن كل اللى عملتيه فى الدنيا .. النبي صلى الله عليم وسلم قال : “مَن تردى من جبل فقتل نفسه فهو في نار جهنم يتردى فيه خالداً مخلداً فيها أبداً ، ومَن تحسَّى سمّاً فقتل نفسه فسمُّه في يده يتحساه في نار جهنم خالداً مخلداً فيها أبداً ، ومَن قتل نفسه بحديدة فحديدته في يده يجأ بها في بطنه في نار جهنم خالداً مخلداً فيها أبداً” .. وقال كمان : ” مَن قتل نفسه بشيء في الدنيا عذب به يوم القيامة “
صمتت “مريم” قليلاً ثم قالت :
– ليه تموتى على ذنب كبير زى ده .. انتى مش عارفه ان من مات على شئ بُعث عليه يوم القيامة ؟
قالت “سهى” وهى تبكى :
– ازاى أعيش بعد اللى حصل ده يا “مريم” أنا اتفضحت خلاص وحياتى ضاعت
قالت “مريم” :
– أنا مش هقولك ازاى عملتى كده .. وازاى رخصتى نفسك كده .. وازاى سبتى واحد يضحك عليكي كده .. بس هقولك حاجة قولتهالك قبل كدة يا “سهى” انتى بعيد عن ربنا .. قربي منه ومش هتخسرى .. قربي منه يا “سهى” لان سعادتك فى القرب منه مش فى البعد عنه
قالت “سهى” ودموع الندم تغرق وجهها :
– أعمل ايه يا “مريم” قوليلى أعمل ايه
قالت “مريم” :
– استغفرى ربنا وتوبي يا “سهى” وعاهديه انك مش هتغلطى تانى أبداً مهما حصل .. لو توبتى بجد هتحسي ان نارك بردت شويه .. عارفه ان اللى حصل مش سهل .. بس انتى غلطتى يا “سهى” والغلط له تمن .. وغلطتك كبيرة وعشان كدة تمنها غالى .. بس اخلصى التوبة وخليكي مع ربنا .. وهو مش هيضيعك لو كنتى فعلاً معاه بقلبك وبكل جوارحك .. ربنا كبير ورحيم .. بس لازم تكونى صادقة فى توبتك .. وصادقة فى لجوئك له .. وصادقة فى ندمك وفى دموعك وفى دعائك
انتفضت “مريم” وهى تسمع طرقات على الزجاج خلفها .. التفتت لتجد “مراد” فتحت الباب فأعطاها غطائين واحد لها وواحد لـ “سهى” .. قال لها وهو يلقى نظرة على “سهى” :
– الأمور تمام ؟
أومأت برأسها فقال برقه وهو يتطلع الى عينيها بنظرة جعلت وجنتيها تحمران خجلاً وتهرب بعينيها :
– اقفلى الباب زى ما كان
أغلقت باب السيارة من الداخل .. وتابعته بعيناها الى أن اختفى عن أنظارها .. أفاقت من شرودها على “سهى” تقول :
– تفتكرى لو استغفرت ربنا هيسامحنى .. تفتكرى ممكن يسامحنى على كل الحاجات الغلط اللى عملتها .. انا غلطت كتير أوى يا “مريم”
قالت “مريم” بحنان :
– ربنا كبير أوى يا “سهى” وبيسامح ويغفر .. تعرفى ان ربنا بيتجلى فى السماء الدنيا وبينادى فى الثلث الأخير من الليل ويقول : “من يدعوني فأستجيب له من يسألني فأعطيه من يستغفرني فأغفر له” .. متخيله ده .. متخيله ان ربنا سبحانه وتعالى هو اللى بيسأل مين عايز يستغفرنى عشان أغفرله ! .. ومحددش عن أى ذنب بيستغرفه .. يعني الكلام عام وشامل أى حد بيستغفر مهما كان الذنب اللى أذنبه
لفت “مريم” أحد الأغطيه حول “سهى” والغطاء الآخر حولها .. كانت أسنانها تصطك ببعضها من شدة البرد وهى الجالسه فى السيارة .. أخذت تفكر رغماً عنها فى “مراد” الواقف فى هذا البرد وملابسه مبتله تماماً .. حاولت أن تبحث عنه بعينيها لكنها لم تكن تراه من مكان جلوسها فى السيارة .. فجأة وجدت “سهى” تقول بخوف :
– “سامر”
تتبعت “مريم” نظرات “سهى” التى كانت مصوبة على “سامر” الذى أوقف سيارته على مقربه من سيارة “مراد” وأسرع الخطى الى داخل المرفأ.
اقترب “سامر” من “مراد” قائلاً فى لوعة :
– ايه اللى حصل يا “مراد”
نظر “سامر” مصدوماً الى اللانش المحترق والذى خمدت ناره بمساعدة “مراد” و الحرس .. فهتف فى الحرس بغضب :
– مين اللى عمل كده .. ازاى يبقى اللانش فى حراتكوا ويحصل كده .. اتصلولى حالاً بالمدير بتاعكوا .. أنا هوديكوا كلكوا فى ستين داهية
قال “مراد” بحزم :
– “سامر” ملوش داعى الكلام ده
جذبه “مراد” من ذراعه ليبتعد عن أسماع الرجال فقال “سامر” بغضب :
– أنا هوديهم كلهم فى ستين داهية
قال “مراد” بصرامة :
– “سهى” هى اللى حرقت اللانش
نظر “سامر” الى “مراد” بدهشة وقال :
– “سهى”
قال “مراد” بحده :
– أيوة ولعت فى اللانش وهى جواه
نظر اليه “سامر” مصدوماً وقد ألجم لسانه .. فقال “مراد” بعنف :
– أنا عارف ان تصرفاتك مش صح بس متخيلتش انها توصل للجواز العرفى
قال “سامر” ببرود :
– دى حياتى وأنا حر فيها
قال “مراد” بحده :
– اتفضل انهى الموضوع مع الحرس .. مش معقول هتعملها مشاكل ويحبسوها
أخذ “سامر” ينظر الى لانشه المحترق بغيظ شديد وهو يقول :
– استفادت ايه دلوقتى لما حرقته .. غبية
عاد “مراد” الى السيارة وركب خلف المقود .. وانطلق بسيارته .. سألته “مريم” :
– ايه اللى حصل
نظر اليها فى مرآة السيارة قائلاً :
– قولت لـ “سامر” انها هى اللى حرقته وكانت عايزه تنتحر .. وهو هيحل المشكلة مع الأمن
كانت “سهى” قد هدأت تماماً وألقت رأسها للخلف وقد خارت قواها .. مسحت “مريم” على شعرها فى حنان .. التفتت لترى عيني “مراد” مركزتان عليها فى المرآة .. شعرت بالخجل الشديد وهى تتذكر عناقهما منذ قليل .. قال “مراد” :
– على فين ؟
نظرت “مريم” الى “سهى” بشفقه وقالت :
– تحبي نروحك البيت يا “سهى” ؟
قالت “سهى” بضعف :
– أيوة ياريت تروحونى
قالت “مريم” بإهتمام :
– وهتقولى لأهلك ايه وهدومك مبلوله كده
قالت “سهى” بإبتسامه ساخرة حزينه :
– ده لو خدوا بالهم منى أصلاً .. زمانهم دلوقتى فى سابع نومه وفاكرين انى نايمه فى أوضتى
شعرت “مريم” بالأسى عليها .. أوصلها “مراد” الى بيتها .. فقالت لها “مريم” محذره :
– مش عايزة تصرفات مجنونة تانى يا “سهى” فكرى فى كلامنا كويس
قالت “سهى” بضعف :
– متخفيش .. ومعلش تبعتك معايا يا “مريم”
ثم نظرت الى “مراد” قائله :
– آسفه على تعبك يا أستاذ “مراد”
أومأ “مراد” برأسه .. نزلت “سهى” من السيارة ودخلت بيتها .. ونزلت “مريم” لتركب بجوار “مراد” وتركت الغطاء بالخلف .. فجذبه “مراد” ولفه على كتفيها .. شعرت بالحرج وتحاشت النظر اليه .. وصلا الى البيت .. كانت “مريم” تشعر بالتعب والإرهاق .. كان الجميع نيام .. صعدا الى الغرفة فحملت “مريم” ملابسها وهمت بأن تتوجه الى الحمام بالخارج فأوقفها “مراد” قائلاً :
– لا خليكي انتى هنا
حمل ملابسه وخرج من الغرفة .. أخذت دشاً وتوجهت الى الفراش وهى تجد صعوبة فى ابقاء عينيها مفتوحتان .. عاد “مراد” ليجدها تغط فى نوم عميق .. اقترب من الفراش مبتسماً ومسح بيده على شعرها برقه ودثرها جيداً .. ثم توجه الى الأريكه وهو يشعر بألم شديد فى ساقه .. نام على الأريكة وألقى نظره على “مريم” النائمة ثم خلع ساقه الصناعية بعدما اشتد به الألم وأصبح غير محتمل لكنه تركها مكانها تسد فراغ ساقه تحت الغطاء .. وغط فى نوم عميق .. بعد عدة ساعات شعرت “مريم” بشئ يداعب وجنتها فاستيقظت وفتحت عينيها بصعوبة لتجد “مراد” واقفاً بجوارها ويبتسم قائلاً :
– الفجر أذن يا كسلانه
لم تستطع فتح عينيها فأغمضتهما مرة أخرى وعادت للنوم .. وجدته يربت على كفتها برفق قائلاً :
– “مريم” قومى صلى ونامى تانى
استيقظت هذه المرة .. وخرجت من الفراش بتكاسل توضأت وصلت ثم عادت الى النوم مرة أخرى تحت نظرات “مراد” الحانيه
*********************************************
فى الصباح استيقظ “مراد” وهو يشعر بنغزات كالأشواك فى حلقة وظل يعطس كثيراً .. كانت “مريم” مازالت تغط فى النوم .. اقترب منها وأخذ ينظر اليها طويلاً ثم ارتدى ملابسه وتوجه الى الخارج .. جلس على الطاولة مع أمه فى الحديقة قائلاً :
– هما البنات لسه نايمين
قالت “ناهد” :
– أيوة محدش منهم بيصحى بدرى كده .. واضح ان “مريم” كمان لسه نايمة
قال “مراد” وهو يهم بالإنصراف :
– أيوة نايمة .. أنا ماشى يا ماما عايزة حاجه
قالت له بإستنكار :
– مش هتفطر
قال “مراد” :
– هفطر فى الشركة عندى شغل كتير النهاردة
عطس مرتين فنظرت له أمه بتفحص قائله :
– خد حاجة للبرد يا “مراد” شكلك بردت امبارح كان الجو برد
لوح لها قائلاً :
– حاضر .. يلا سلام
توجه “مراد” الى شركة “سامر” وطلب مقابلته فأذت له السكرتيرة بالدخول استقبله “سامر” وعلامات الإرهاق على وجهه قائلاً :
– معرفتش انام طول الليل وجيت هنا المكتب ألهى نفسي بأى حاجه وأول ما كلمتنى الصبح استنيتك ومرضتش أمشى
قال “مراد” وهو يجلس أمامه :
– “سامر” ايه الحكاية بالظبط
قال “سامر” بتبرم :
– مفيش اتجوزت عادى يعني .. دى كل الحكاية
قال “مراد” بإستنكار :
– هو العرفى بأه عادى دلوقتى ؟ .. ده مش جواز أصلاً
قال “سامر” بضيق :
– أنا بعتبره جواز
قال “مراد” بحزم :
– البنت كانت هتموت نفسها امبارح .. ده مأثرش فيك خالص كده ؟
هتف “سامر” بغضب :
– واحدة غبية هعملها ايه يعني .. حد يعمل عملتها السودة دى
تنهد “مراد” قائلاً :
– هى طبعاً غلطانه .. غلطانه انها حاولت الانتحار وغلطانه انها سلمتك نفسها بورقة ملهاش أى قيمة .. بس انت مشترك معاها فى الغلط ده وبتتحمل جزء من المسؤلية .. حاول تراجع نفسك يا “سامر” .. وتصلح الغلط اللى حصل ده
****************************************
استيقظت “مريم” ووجدت الأريكة فارغة حملت هاتفها واتصلت بـ “سهى” :
– صباح الخير ازيك يا “سهى”
قالت “سهى” بصوت مجهد :
– ازيك يا “مريم”
قالت “مريم” بقلق :
– عاملة ايه دلوقتى
تنهدت “سهى” قائله :
– كويسة يا “مريم” .. كويسة متقلقيش نفسك
– طيب يا حبيبتى أنا كنت بطمن عليكي .. مش عايزة حاجة منى ؟
– تسلمى يا “مريم” ربنا يباركلك انتى بجد بنت جدعة أوى ياريتنى صاحبتك من زمان وسمعت كل اللى قولتيهولى
قالت “مريم” :
– الوقت لسه مفاتش يا “سهى” فى ايدك تغيري كل حاجة وتخليها أحسن .. هقوم أفوق كده وأفطر وأرجع أكلمك تانى
– ماشى يا “مريم” هستنى اتصالك
– ماشى يا حبيبتى مع السلامة خلى بالك من نفسك
نهضت “مريم” متكاسله .. بدلت ملابسها ونزلت للأسفل لتجد “سارة” و “نرمين” و “ناهد” فى غرفة المعيشة :
– صباح الخير يا جماعة
– صباح النور
قالت “نرمين” :
– هقول لدادة “أمينة” تحضر الفطار كنا مستنيينك أنا و “سارة”
ابتسمت “مريم” وجلست فالتفتت لها “ناهد” قائله :
– شكلك مرهق
ارتبكت “مريم” قائله :
– يعني شويه
قالت “ناهد” :
– “مراد” برده كان شكله تعبان وهو نازل النهاردة وأعد يعطس كتير
شعرت “مريم” بالحزن لعلمها بأنه مريض .. وأخذت تفكر فى أحداث الأمس ووقوفه بملابس مبتلة فى الهواء الطلق بالتأكيد أصابته نزلة برد .. ودت لو اتصلت به لتطمئن عليه لكنها ما كانت لتجرؤ على فعل ذلك
*******************************************
توجهت “مريم” الى المطبخ حيث كانت دادة “أمينة” واقفة تؤدى عملها .. قالت لها :
– تحبي أساعدك
التفتت “أمينة” ونظرت الى “مريم” مبتسمة وقالت :
– متحرمش منك يا ست “مريم”
جلست “مريم” على الطاولة الصغيرة فى منتصف المطبخ وقالت لها :
– انتى عايشة هنا من زمان يا دادة
قالت “أمينة” بمرح وهى تكمل عملها :
– يوووه من زمان أوى .. من أول ما سي “خيرى” الله يرحمه اشترى الفيلا .. أنا اللى مربية سي “مراد” و “سارة” و “نرمين” .. دول ميقدروش يستغنوا عنى أبداً ولا أنا أقدر استغنى عنهم
ابتسمت “مريم” وقالت :
– ربنا يخليكي ليهم
التفتت “أمينة” اليها قائله :
– حتى لما الظروف داقت بيهم بعد موت سي “خيري” الله يرحمه مرضتش أسيبهم أبداً حتى وقت ما كانوا مش قادرين يدفعولى مرتبي والفيلا دى كانت مرهونه وخسروا كل حاجة
عقدت “مريم” حاجبيها وهى تستمع بإهتمام فأكملت “أمينة” بحماس :
– قولت أبداً لو هشتغل بأكلى وشربي بس مش مهم المهم مبعدش عنهم أبداً مهما اتعرض عليا من فلوس فى بيوت تانية
ابتسمت “مريم” لإخلاص المرأة فأكملت “أمينة” بفخر :
– سي “مراد” هو اللى رجع كل حاجة زى ما كانت .. طبعاً راجل من ضهر راجل .. وقدر يقف على رجله ويرجع الفيلا دى ملكهم وقدر يكبر الشركة لحد ما بقت حاجة كبيرة أوى
ابتسمت “مريم” وهى تلاحظ اعجاب “أمينة” بـ “مراد” الذى ربته وكبرته .. قالت “أمينة” كمن تبوح بسراً :
– بصراحة لما عرفت ان سي “مراد” اتجوز فرحت أوى أوى ده كان مقاطع الجواز ومبيطقش سيرته
ضيقت “مريم” عينيها وهى تحاول استنباط ما ترمى اليه المرأة .. سألتها “مريم” بإهتمام :
– هو “مراد” ومراته الأولانيه اطلقوا من امتى ؟
قالت “أمينة” :
– اطلقوا من ست سنين
شعرت “مريم” بالدهشة ست سنوات ولم يفكر فى الزواج مرة أخرى .. تُرى أكان يحبها الى هذه الدرجة ؟ .. لماذا طلقها اذن ؟ .. كانت تفكر فى اجابات لتلك الأسئلة فى حيرة عندما أخرجتها “أمينة” من حيرتها قائله :
– ربنا يسامحها بأه سابته وراحت اتجوزت واحد تانى .. بس هى الخسرانه عمرها ما هتلاقى حد زى سي “مراد” لا فى أخلاقه ولا فى حنيته .. هى اللى مش وش نعمه
فكرت “مريم” .. اذن فزوجته هى التى تركته .. تُرى لما فعلت ذلك .. لم ترد سؤال “أمينة” أكثر حتى لا تشك فى الأمر .. فهى زوجته وهى أكثر شخص من المفترض أن يعرف كل شئ عنه .. شردت وهى تحاول أن تخمن اجابات الأسئلة التى تدور فى رأسها
*******************************************
عاد “مراد” من الخارج وهو يشعر بأن التعبت قد أخذ منه مبلغه .. ازداد العطس وازدادت ارتاجفة جسده وشعوره بالوهن .. اتقبلته “ناهد” قائله :
– شكلك تعبان أوى
قال “مراد” معانداً :
– لا أنا كويس هاخد حاجة للبرد وأدخل أنام
هاتفت “ناهد” قائله :
– انت لسه مخدتش حاجه للبرد .. بتستهبل يا “مراد” ما أنا قايلالك الصبح
قال “مراد” وهو يصعد الدرج :
– نسيت كنت مشغول هاخد دلوقتى
توقف والتفت الى أمه قائلاً :
– فين “مريم” ؟
قالت “ناهد” وهى تنظر اليه بإمعان :
– فى المطبخ
نظر “مراد” فى اتجاه المطبخ ثم التفت الى أمه وقال بصوت هادئ :
– هى كويسة ؟ يعني مش تعبانه ؟
هزت “ناهد” رأسها نفياً وهى مازالت تنظر اليه الى أن صعد الدرج الى غرفته .. دخلت “ناهد” المطبخ لتجد “مريم” جالسه تتحدث مع “أمينة” فقالت لها :
– “أمينة” لو سمحتي هاتى حاجة للبرد عشان “مراد”
شعرت “مريم” بالقلق وقالت :
– هو تعبان أوى
نظرت اليها “ناهد” قائله :
– أيوة شكله تعبان أوى وكالعادة نسي ياخد الدوا طول اليوم
خفق قلبها قلقاً .. قالت “أمينة” :
– ربنا يشفيه ويعافيه ياخد الدوا ده ويتدفى وهيبقى الصبح زى الفل
اخذت “ناهد” الدواء وصعدت الى غرفة “مراد” أمرته بالنوم على الفراش وأن يتدفى جيداً .. قال “مراد” :
– حاضر
قالت “ناهد” وهى تتحسس جبينه :
– حرارتك عالية أوى يا “مراد” تحب أتصل بـ “أحمد”
قال وهو يعطس :
– لا أنا كويس
قالت “ناهد” بحنق وهى تشير للفراش :
– طيب لو سمحت نام وريح نفسك على ما أعملك شوربه دافيه
توجه “مراد” الى الأريكة وهم بالنوم فوقها فقالت “ناهد” بإستنكار :
– هتنام على الكنبة
نظر اليها نظرة ذات معنى فامتقع وجهها بعدما فهمت ترتيبات النوم الخاصة بهما .. همت بالخروج من الغرفة فوجدت فى وجهها “مريم” التى شعرت بالقلق يراودها وأرادت الإطمئنان على “مراد” .. خرجت “مريم” وأغلقت الباب خلفها وهى ترمقهما بنظراتها .. ابتسم لها “مراد” قائلاً :
– انتى كويسه ؟
نظرت اليه بأسف قائله :
– أنا آسفه على اللى حصل ده .. كل ده بسببي
ظل محتفظاً بإبتسامته وقال وهو يرمقها بحنان :
– فداكى
شعرت بالخجل وتعالت خفقات قلبها وقالت بإرتباك :
– تحب أعملك حاجة
قال “مراد” وهو يرمقهما بنظرات التى لم تبتعد عنها لحظه :
– تعرفى تعملى لمون سخن
ابتسمت قائله :
– أيوة أعرف
ابتسم قائلاً :
– لو مش هتعبك اعمليلي كوباية
أومأت برأسها وتوجهت الى المطبخ .. رأت “ناهد” تعد لـ “مراد” طبق حساء فتوجهت الى الثلاجة واخرجت الليمون وشرعت فى اعداد كوب الليمون الساخن .. نظرت “ناهد” الى ما تفعله وابتسامه صغيره على شفتيها فتعمدت ان تتلكأ فى اعداد الحساء .. صعدت “مريم” الى غرفة “مراد” الذى سمعته يعطس بقوة فشعرت بالحزن لأجله .. أعطته الكوب فاعتدل قليلا فى جلسته وأخذ يرمقها بنظراته .. خجلت من الوقوف امامه فى مرمى نظراته هكذا فإلتفتت لتخرج .. أوقفها قائلاً :
– راحه فين
قالت بإرتباك وهى تتحاشى النظر اليه :
– نازله تحت
صمت قليلاً ثم قال :
– طيب براحتك
نظرت اليه قائله :
– لو عايز حاجه عرفنى
قال “مراد” بتردد :
– يعني لو كنتى فاضية ومكنش يضايقك اعدى نتكلم سوا
جلست “مريم” على الفراش قبالته .. أخذ رشفه من كوبه قائلاً :
– زميلتك عامله ايه دلوقتى
تنهدت “مريم” بأسى وقالت :
– كويسه .. اتكلمت معاها الصبح وكلمتها تانى من شوية
قال”مراد” بحنق :
– مش عارف ازاى فى بنات ساذجين للدرجة دى
قالت “مريم” بحزن :
– نصحتها كتير .. بس هيا كانت بتسمع من غير ما تنفذ .. هى مش وحشة من جوه هى مشكلتها انها جاهلة بأمور دينها .. وأى حد يقولها حاجة بتصدقها
تذكرت “مريم” كيف قصت عليها “سهى” اليوم ما حدث من “خالد” و “سامر” وكل تفاصيل علاقتها بهما .. قال “مراد” :
– أنا اتكلمت مع “سامر” بس واضح ان الموضوع بالنسبه له مكنش أكتر من مجرد نزوه
قالت “مريم” بحده :
– بس حرام عليه هو فهمها ان ده جواز وانه حلال لحد ما يتقدملها ويكتب عليها .. بجد حرام عليه هى صدقته .. غلطانه ومليون غلطانه بس هو كمان مكنش أمين معاها من الأول وأقنعها بحاجة غلط وحرام .. حرام عليه بجد
ثم قالت برجاء :
– مينفعش تتكلم معاه تانى وتحاول تقنعه بموضوع الجواز .. أنا عارفه ان الموضوع مش فى ايدك وانه مش سهل .. بس بطلب منك بس انك تحاول معاه تانى
قال “مراد” بجديه :
– هعمل اللى هقدر عليه بس مش هقدر أوعدك بحاجه
قالت “مريم” بلهفه :
– ان شاء الله كلامك معاه تانى يجيب نتيجة
أخذ “مراد” يتأمل ملامحها بإمعان فأبعدت عينيها عنه .. سألها فجأة :
– كان شكلى ؟
نظرت اليه بدهشة .. ثم ما لبثت أن فهمت الى ما يرمى .. “ماجد” .. فقالت بتوتر :
– ليه بتسأل السؤال ده ؟
قال بهدوء :
– سؤال وخلاص جاوبيني عليه
لم تدر كيف تجيبه .. أنقذتها “ناهد” التى طرقت الباب ففتحت لها “مريم” .. دخلت حاملة طبق الحساء قائله :
– عايزه الطبق ده يخلص كله .. ومش عايزه أسمع كلمة مش عايز دى خالص
ابتسم “مراد” قائلاً :
– مش هفكر أقول مش عايز لانى عارف انك مش هتسمحيلى أقولها أصلاً
انتهى “مراد” من شرب حسائه وأخذ ادويته وخرجت “ناهد” من الغرفة .. هم بالنوم فقالت “مريم” بإستحياء :
– تعالى نام على السرير أحسن
التفت “مراد” ينظر اليها فى ظلام الغرفة التى لا يضيئها سوى نور القمر وقال بحنان :
– لا أنا كده كويس
قالت “مريم” :
– عشان تكون مرتاح أكتر
ابتسم “مراد” قائلاً :
– لو أنا نمت على السرير وانتى على الكنبة مش هكون مرتاح بالعكس
دخلت “مريم” الى الفراش وهى تلقى نظرة عليه كل فترة وأخرى .. الى أن شعرت أنه استسلم للنوم .. أخذت تنظر اليه الى أن نامت هى الأخرى فكان هو آخر ما رأته قبل أن تغمض عيناها .
****************************************
– عايز أعرف كل حاجه عن اللى اسمها “مريم” دى .. من يوم ما اتولدت لحد النهاردة
قال “حامد” هذه العبارة لمحاميه فى مكتبه .. فقال المحامى بثقه :
– متقلقش يا “حامد” بيه .. خلال يومين تلاته بالكتير وهيكون عندك كل المعلومات عنها
قال “حامد” بضيق :
– على آخر الزمن أدخل اقسام الشرطة ومتهم كمان
قال المحامى بسرعة :
– متقلقش يا “حامد” بيه ان شاء الله الموضوع هينتهى بدرى بدرى
قال “حامد”بغل :
– “مراد” التييييييييييييت ده لازم أدفعه تمن اللى عمله
لمس بيده الأسنان الصناعية التى حلت مكان الأسنان التى فقدها بعد ضرب “مراد” له و قال :
– اما وديتك فى ستين داهية يا تييييييييييييت مبقاش أنا “حامد”
*****************************************
فى منتصف النهار .. أصرت والدة “مراد” عليه على البقاء فى البيت وعدم الذهاب الى العمل .. اضطر “مراد” الى تنفيذ رغبتها بعدما احتد النقاش بينهما .. صعد الى غرفته ليستريح جلس على الأريكة يطالع احدى كتبه عندما دخلت “مريم” لإحضار هاتفها فأوقفها قائلاً :
– “مريم”
التفتت اليه فقال بحنان :
– اديني عنوان “مى” صحبتك وأنا أخلى السواق يروح يجيبها .. معلش مش هقدر أخرجك تزوريها النهاردة زى ما وعدتك
قالت “مريم” بسرعة :
– لا مفيش مشكلة أنا مقدرة انك تعبان
قال مصراً :
– طيب اكتبي العنوان فى ورقة وأنا ابعته يجيبها وكلميها عرفيها
ابتسمت “مريم” ودونت عنوانها وأعطته الورقة قائله :
– بجد متشكره أوى .. انت متتصورش هى وحشانى ازاى
تطلع اليها مبتسماً وهو يرقب السعادة فى عينيها .. قالت بخفوت :
– هروح أكلمها عشان تلحق تجهز نفسها
خرجت “مريم” وعينا “مراد” تتابعها .. بعد ساعتين حضرت “مى” الى الفيلا لزيارة صديقتها .. استقبلتها “مريم” قائله :
– “مي” حبيبتى وحشتيني
تعانقتا فى سعادة وكل منهما تنظر الى الأخرى بفرح .. جلستا معاً فى الحديقه بعدما قامت “مريم” بمهمة التعريف بين “مريم” و أهل البيت .. جلست مع “مى” على أحد المقاعد فى الحديقة قالت “مى” :
– ما شاء الله المكان جميل أوى
قالت “مرمي” بأسى :
– خايفة من اليوم اللى هضطر فيه أمشى من هنا .. انا اتعلقت بيهم أوى
التفتت اليها “مى” قائله :
– احكيلى يا “مريم” اليه آخر الأخبار
قصت عليها “مريم” ما فات “مى” من أحداث فهتفت “مى” :
– يعنى خلاص عرف انك كنتى مراة اخوه
قالت “مريم” :
– أيوة عرف .. بس اللى هيجننى ليه قالوله ان أخوه مات وهو صغير .. ليه كذبوا عليه .. وكمان ليه عمتو قالتلى مجبش سيرة لـ “مراد” عن أخوه وانها هى اللى هتتكلم معاه بنفسها .. حاسه ان فى حاجة غامضة
قالت “مى” وهى تفكر بإمعان :
– فعلا حسه ان فى حاجة غامضة
ثم سألتها :
– طيب انتى ليه ما قولتيش لـ “مراد” ان مامة “ماجد” موجودة وانها فى دار المسنين
قالت “مريم” بحيرة :
– مش عارفه يا “مى” خوفت أقوله .. لازم أفهم الأول ايه اللى بيحصل
ثم تنهدت قائله :
– فى حاجات كتير مش قادرة أفهمها
قالت “مى” بإهتمام :
– طبعاً ما قولتيلوش ان مامة “ماجد” دى ………
قاطعتها “مريم” قائله :
– لا طبعاً ما قولتلوش .. خفت من رد فعله .. أصلاً مشوفتيش كان عامل ازاى لما عرف بموضوع “ماجد” وانى كنت مراته وانه كان عايش ومماتش صغير .. عاملنى معاملة صعبة جداً .. فخوفت أقوله على موضوع ماما “زهرة”
تنهدت “مى” قائله :
– وهتعملى ايه دلوقتى
تطلعت “مريم” الى ما أمامها وهى تقول بحيرة :
– مش عارفه .. بجد مش عارفه
*************************************
– تفتكرى لي بابا وعمتو خبوا عليا ان أخويا “ماجد” عايش ؟
وجه “مراد” هذا السؤال لـ “ناهد” التى تجلس على الفراش تتطلع اليه وهى مصدومة مما تسمع وقالت :
– مش عارفه .. أنا بجد اتصدمت .. يعني “ماجد” كان عايش ومكنش ميت من زمان زى ما باباك قالنا
ثم سألته بإهتمام :
– و كان عايش مع مين طول السنين اللى فاتت ؟
قال “مراد” بحيرة :
– سألت “مريم” وقالت متعرفش
ثم قال بإصرار :
– مع انى حاسس انها عارفه حاجه ومخبياها عليا .. بس مسيري هعرفها
قالت “ناهد” وهى مازالت تحت تأثير الصدمة :
– مش قادرة أصدق .. أخوك كان عايش وكمان “مريم” كانت مراته .. مش قادرة أصدق
قال “مراد” بضيق :
– مكنتش مراته .. كانت خطيبته .. كانوا كاتبين كتابهم بس
تطلعت “ناهد” الى “مراد” بخبث وقالت بتحدى :
– وايه الفرق يعني خطيبته ولا مراته ولا حتى مراة واحد غيره انشاله تكون متجوزة عشرة قبل كدة مش هتفرق معانا فى حاجة
نظر اليها “مراد” بحده .. فأكملت قائله بتحدى :
– وأساساً بعد ما انت تطلقها أكيد هتتجوز بسرعة البنت كويسة ومحترمة ومؤدبة وملتزمة يعني أكيد فى حد معاها فى الشغل حاطط عينه عليها خاصة انها هتخرج من الجوازة دى صاغ سليم
ازدادت حدة نظرات “مراد” وقال بغضب :
– ماما انتى عايزه ايه بالظبط
قالت “ناهد” بخبث وهى تنهض لتغادر الغرفة :
– هعوذ ايه يعني .. أما أروح أشوف الغدا
***********************************************
حضر “أحمد” ابن أخت “ناهد” للإطمئنان على صحة “مراد” بعدما علم بمرضه .. قال “مراد” وهو يستقبله فى حجرة الصالون :
– مكنش فى داعى تتعب نفسك يا “أحمد” الموضوع مش مستاهل
ابتسم “أحمد” قائلاً :
– ازاى يعني .. متقولش كدة يا “مراد”
جلسا قبالة بعضهما البعض .. قال “أحمد” :
– بس انت باين عليك انك كويس أمال خالتى بتقول انك تعبان أوى ليه
ابتسم “مراد” قائلاً :
– ما انت عارف ماما يا “أحمد” لو حد فينا عطس تعلن حالة الطوارئ فى البيت
ابتسم “أحمد” قائلاً :
– ربنا يباركلكوا فيها
ثم تنحنح قائلاً :
– بصراحة فى موضوع كنت حابب أتكلم معاك فيه يا “مراد”
قال “مراد” بأهتمام :
– خير يا “أحمد”
قال “أحمد” بحرج :
– بصراحة أنا كنت عايز أكلمك من زمان بس كنت بتردد .. بس قولت خلاص لازم أتكلم لانى خايف تضيع منى
ضيق “مراد” عينيه وهو يحاول أن يعرف مقصد “أحمد” .. تنحنح “أحمد” مرة أخرى قائلاً :
– أنا عايز أطلب منك ايد الآنسه “نرمين”
لم يبدى “مراد” رد فعل فقال “أحمد” بتوتر :
– أنا من زمان وأنا عايز أفاتحك .. بس قولت أستنى لما العيادة بتعتى تجهز عشان أتقدم بقلب جامد
ابتسم “مراد” قائلاً :
– ايه ده العيادة جهزت .. طيب الحمد لله ألف مبروك يا “أحمد” انت تستاهل كل خير
ابتسم “أحمد” وقد استبشر خيراً وقال :
– الله يبارك فيك يا “مراد” .. طيب قولت ايه
قال “مراد” مفكراً :
– ان كان عليا فمعنديش أى اعتراض انت شاب محترم ومؤدب ومن العيلة وأنا مش هلاقى لـ “نرمين” أحسن منك .. بس باقى رأيها ورأى ماما طبعاً
ابتسم “أحمد” قائلاً بحماس :
– ان شاء الله خير انا متفائل
نظر اليه “مراد” قائلاً بإهتمام :
– انت اتكلمت مع “نرمين” فى حاجة
قال “أحمد” بسرعة :
– لا والله أبداً يا “مراد” انت أول حد أتكلم معاه بعد ما فاتحت ماما فى الموضوع .. حتى خالتى ما قولتلهاش حاجة ونبهت على ماما متجبلهاش سيرة الا لما أتكلم معاك الأول
ابتسم “مراد” وهو يقول :
– طول عمرك تعرف الأصول يا “أحمد”
قال “أحمد” مبتسماً :
– ربنا يكرمك يا “مراد” وانتوا طول عمركوا بيت أصول وعشان كدة أنا عارف ومتأكد انى مش هلاقى لنفسي زوجة أحسن من “نرمين” أختك
قال “مراد” بمرح :
– خلاص اتفاقنا يا دكتور .. هتكلم معاهم وان شاء الله خير .. وانت متناش صلاة الإستخارة
*********************************************
طرقت “مريم” باب غرفة المكتب فأذن لها “مراد” بالدخول .. ابتسمت قائله :
– هعطلك عن حاجة
ابتسم لها قائلاً :
– لا أبداً اتفضلى
دخلت “مريم” وهى تحمل حاسوبها وقالت :
– كنت عايزة أوريك الشغل اللى خلصته
توجه “مراد” الى الأريكة وجلس عليها وأخذ منها الحاسوب ووضعه على المنضدة أمامه وقال :
– وريني كده
جلس “مراد” بتفحص التصميمات ثم قال :
– ممتاز طبعاً
قالت له بعتاب :
– يعني أحسن من الزفت اللى كان قبله ؟
رفع نظره اليها وابتسم ابتسامه خفقت لها قلبها بشدة وتطلع اليها قائلاً :
– شغلك دايماً بيعجبنى
نظر مرة أخرى الى الحاسوب وأشار الى نقطة به وقال :
– بس مكان اللوجو هنا مش مرتاحله ممكن نخليه يمين بدل شمال
وقفت “مريم” بجواره لتتمكن من مشاهدة التصميم فأمرها بالجلوس .. جلست بجواره بحرج وقد تركت مسافة بينهما .. قالت “مريم” وهى تشير الى التصميم :
– مفيش مشكلة .. بسيطة .. نخليه يمين
أشار “مراد” الى الخط المكتوب به احدى الجمل وقال :
– ولو ينفع الفونت ده يتغير ويكون أوضح شوية
قالت دون أن تنظر اليه وهى تنظر الى التصميم بإهتمام :
– تمام مفيش مشكلة
كانت عينا “مراد” مسلطتان عليها .. يتأمل ملامح وجهها بعينان تلمعان بنظرات حانيه .. أكملت وهى مازالت تتطلع الى التصميم :
– ممكن أعمل أكتر من نسخة لكذا فونت وتختار اللى شكلها يعجبك أكتر
كانت نظرات “مراد” مازالت مسلطة عليها .. لم يشعر بنفسه الا وهو يرفع يده ليحتضن بين أصابعه احدى الخصلات المتساقطة على وجهها .. التفتت اليه “مريم” لترى تلك النظرة الغريبة فى عينيه .. والتى لم تعتادها منه .. شعرت بقلبها يخفق بجنون .. لمس بأصابعه وجنتها ومررها عليه فى رقه .. انتفضت فجأة وقد تدرجت وجنتاها خجلاً هبت واقفه وقالت وهى تغادر مسرعه :
– ثوانى وراجعه
عبرت الغرفة بخطوات متسارعه وعينا “مراد” ترمقانها بنظرات نارية .. خرجت لتتركه يغلى من الغضب .. أخذ يفكر فى رد فعلها وردود أفعالها السابقة .. أخذ يلعب بأصابعه فى الحاسوب وهو شارداً و غير منتبه بالفعل لما يفعل .. أفاق من شروده عندما وجد أمامه أحد الملفات المكتوب عليها “حبيبى” .. ضاقت عيناه بشدة و فتح الملف ليجد به العديد من الصور المصغرة .. كبرها وأخذ يتطلع اليها .. شعرت بصدمة شديدة تجتاح كيانه .. يالله كأنه ينظر فى المرآة .. رجلاً يشبهه الى حد بعيد يقف بجوار “مريم” محيطاً كتفيها بأحد ذراعيه ويبتسمان معاً للكاميرا .. أخذ يقلب فى الصور وينتقل من صورة لأخرى وشرارة الغضب بداخله تزداد حتى صارت كالبركان الذى على وشك القاء حممه التى تتأجج بداخله .. كان يتطلع الى الصور بحيرة بألم بيأس بلهفه بغضب بضيق بغيرة بحب .. مشاعر كثيرة مختلطة ومتضاربة شعر بها تجاه الاثنان اللذان يقفان معاً فى جميع الصور وعلامات الفرح والبهجة والحب على وجه كل منهما .. توقف عند الصورة التى تجمع “ماجد” بـ “مريم” وكلاهما يرتدى دبلته فى اصبعه اليمنى .. أغلق شاشة الحاسوب بعنف .. تذكرها .. تلك الدبلة التى مازالت تزين أصابعها حتى الآن .. والتى نقلتها “ناهد” من يدها اليمينى الى اليسرى ظناً منها انها لـ “مراد” .. نهض “مراد” وهو يحمل الحاسوبه وخرج ليبحث عن “مريم” حتى وجدها فى غرفته جالسه على الأريكة شاردة .. هبت واقفة بمجرد أن رأته وبلعت ريقها بصعوبة وهى تشعر بالخوف من نظراته التى كانت كالرصاص المصوب تجاهها ..فتح “مراد” الشاشة فظهرت أمامها آخر صورة كان يشاهدها .. نظرت الى الصورة وقلبها يخفق بعنف .. تلك الصورة التى لم تراها منذ أن وطأت قدماها هذا البيت .. ألقى “مراد” الحاسوب على السرير بعنف وهو يقول :
– نسخة منى .. اخويا كان نسخة منى .. عشان كدة كنتى بتبصيلي واحنا فى المركز الصحى فى الصعيد مش كدة ؟؟ .. لانى نسخة منه .. فكرتك بيه مش كده .. الشبه اللى بينا هو اللى خلاكى تعرفى انى أخوه .. عشان كده وافقتى تتجوزيني أنا مش “جمال” مش كدة ؟؟ .. عشان أنا شكل أخويا اللى حبيتيه واتجوزتيه وفقدتيه.. صح يا “مريم”
تطلعت اليه “مريم” باعين دامعة فأكمل يقول بقسوة :
– كنتى بتعوضى شوقك له بيا .. أما بتبصيلي بتشوفى مين يا “مريم” .. “ماجد” ولا “مراد” .. بتشوفيه هو .. صح .. مين اللى سبتى نفسك فى حضنه من يومين ؟ .. “ماجد” مش “مراد” مش كده ؟.. وعشان كدة كنت بصحى ألاقيكي بتبصيلى .. وكانت نظراتك بتكون غريبة ومكنتش قادر اعتها فسر معناها .. كنتى بتبصيله هو لملامحه هو .. مش كده ؟
انهمرت الدموع من عينيها بصمت وتمتمت بصوت خافت جداً لم يستطع سماعه :
– ده فى الأول بس
نظرت اليه بألم فصرخ بعنف و بغضب شديد :
– كنتى طول الوقت ماسكه اللاب وأعدة أدامه وتقوليلى شغل .. كنتى بتشوفى صوركوا سوا مش كدة .. كنتى عايشه معاه طول الوقت .. متعرفيش انك كده تبقى بتخونينى اى ان كان سبب جوازنا انتى كده بتخونيني
صاحت “مريم” والدموع تغرق وجهها :
– لا أنا مخنتكش .. انا مشوفتش صوره ولا مرة من ساعة ما دخلت البيت ده
نظر اليها “مراد” بإحتقار وعدم تصديق .. لم تتحمل تلك النظرة فى عيناه فتوجهت الى الدولاب وأخرجت منه الحقيبة التى تحوى رسائل “ماجد” .. أخرجت الرسائل وأمسكتها ولوحت بها أمامه قائله بحده بصوت مرتجف :
– دى رسايل “ماجد” .. كان كاتبهالى قبل ما يموت .. كان مريض بالكانسر وكان المرض فى مراحله الأخيره .. كتبلى الجوابات دى وقالى أقرأ جواب كل اسبوع فى نفس اليوم ونفس المعاد .. كان عارف انى مليش حد غيره .. أهلى كلهم ماتوا فى حادثة .. ماما و بابا و أختى .. كنت هموت لولا “ماجد” وقف جمبي وساعدنى انى أخرج من محنتى .. وكتبنا كتابنا كان كل حاجة ليا عوضنى عن كل أهلى اللى راحوا منى فجأة .. كان هو الهوا اللى بتنفسه .. كان مالى حياتى كلها مكنش ليا غيره
ثم انهمرت الدموع من عينيها كالشلال تغرق وجهها :
– لما عرفت انه مريض .. كنت هموت .. اتمنيت فعلاً انى أكون مكانه وان المرض ده يجيلى أنا وهو يفضل سليم .. كنت بموت وأنا عارفه انه بيموت أدامى ببطء وانى هخسره زى ما خسرت أهلى كلهم .. هو كان عارف موته هيعمل فيا ايه .. عشان كده كتبلى الجوابات دى تصبرنى لو حصله حاجه .. أنا بقالى أكتر من سنة من يوم ما مات عايشه على جواباته وكلامه المكتوب فيهم .. بفتح الجواب كل اسبوع فى نفس المعاد
ثم قالت بألم :
– بس والله من يوم ما دخلت البيت ده وأنا مقرأتش حرف واحد .. عارف معناه ايه انى مقراش جوابات “ماجد” وانى أمنع نفسي عنها .. بس أنا أجبرت نفسي على كده لانى مش خاينة وبكره الخيانة .. لانى عارفه انى مادمت على ذمتك مش من حقى انى أقرأ جوابات واحد تانى
انتهت من كلامها وساد الصمت الا من صوت شهقاتها الخافته .. بدا وجه “مراد” جامداً وهو ينظر الى الخطابات فى يدها .. والى الخطابات العديدة التى مازالت فى الحقيبة التى تحملها بيدها .. تحدث أخيراً .. بصوت هادئ صارم وتعبريات جامدة كالحجر :
– مكنتش أعرف انى معذبك كده .. وان جوازك منى آلمك بالشكل ده
تلاقت نظراتهما طويلاً .. الى أن قال بصوت مرتجف متقطع :
– بكره جهزى نفسك عشان هنروح للمأذون .. عشان أخلصك من الحبل الملفوف على رقبتك
نظرت اليه مصدومه فأكمل قائلاً بنبرة حازمة لم يستطع اخفاء الألم فيها :
– عشان ترجعى لحبيبك وصوره وجواباته اللى حارمه نفسك منها بسببي
قال ذلك وخرج من الغرفة وهى تتطلع اليه وعلامات الصدمة على وجهها.
***************************************
فى الصباح الباكر .. سمعت طرقاته على الباب دخل بهدوء وقال دون أن ينظر اليها :
– جاهزة ؟
قالت دون أن تنظر اليه وهى تتظاهر بالثبات :
– أيوة
حمل حقيبتها وسبقها الى الأسفل .. كانت تشعر بشعور غريب .. كانت تشعر وكأنها تعيش حلماً ستستيقظ منه بعد قليل .. سارت مسلوبة الإرادة الى السيارة .. بدا جامداً وبدت جامدة .. لم تتح لها الفرصة لتوديع “ناهد” و “سارة” و “نرمين” . فضلت هى ذلك حتى لا يكون الوداع مؤلماً .. سار بسيارته وقد ران بينهما الصمت وحالة غريبة تعترى كل منهما .. نزلا من السيارة وتوجها الى مكتب المأذون وكل منهما يشعر بأنه مسلوب الإرادة وكأن قوة خفية تحركهما .. جلسا متواجهان وهما يستمعان الى كلمات المأذون التى يحاول بها اثنائهما عن هذا القرار .. كان كل منهما يطرق برأسه وينظر الى الأرض .. وتعبيرات جامدة تظهر على وجه كل منهما .. لا تستطيع أن تتبين كيف يشعر أى منهما بالنظر الى وجهه .. حانت اللحظة .. وأخبر المأذون “مراد” أن يلقى بكلمة الطلاق على مسامع “مريم” .. ساد الصمت للحظات .. بدا وكأن لسانه يعصيه .. وقلبه يثنيه .. لكن عقله أرغمهما على طاعته .. قال وهو ينظر أرضاً بصوت مرتجف بنبره متقطعه وكأن روحه تفارق جسده :
– انتى طالق
لحظات مرت ورفع رأسه يلقى عليها نظرة .. بدت جامدة كالتمثال لا حياة فيه ولا روح .. أنهيا معاملات الطلاق وخرجا معاً .. فتح لها باب السيارة وهو يتحاشى النظر اليها .. ركبت وقد بدا عليها التماسك وكأن ما حدث منذ قليل كان حلماً سيفيق كلاهما منه قريباً .. أوصلها الى شقتها .. صعد خلفها حاملاً حقيبتها .. هم بالدخول فوضعت ذراعها أمام الباب تمنعه .. لم يعد يحل له الدخول .. لم يعد يحل له أى شئ .. ولا لها .. وضع الحقيبة فى الخارج .. نظر اليها نظرة أخيرة مودعه ثم هرب مسرعاً من أمامها وكأنه يخفى ما لا يريده أن يظهر للعيان .. أدخلت حقيبتها وأغلقت الباب .. وقفت خلفه تتطلع الى بيتها .. الذى فارقته .. وها هى تعود اليه مرة أخرى .. لكنها شعرت بأنها ليست “مريم” التى فارقت هذا البيت .. لقد عادت “مريم” أخرى .. تغير فيها الكثير .. تطلعت الى البيت مرة أخرى ولأول مرة تشعر فيه بالغربة .. عندئذ تحطم التمثال ليظهر القلب الذى ينبض بداخله .. انهمرت الدموع المحبوسه داخل عينيها وجلست على الأرض خلف الباب المغلق تحتضن قدميها الى صدرها بقوة لتوقف ارتعاشة جسدها .. وكل ذرة فيها تصرخ بألم .
الفصل الثاني والعشرون من هنا
في نهاية مقال رواية قطة في عرين الاسد الفصل الواحد والعشرون 21 بقلم بنوتة أسمرة