روايات

رواية ملكة علي عرش الشيطان الفصل السابع والعشرون 27 والثامن والعشرون 28 بقلم اسراء علي

من خلال موقع بليري برس تستعرض معكم في هذا المقال ،رواية ملكة علي عرش الشيطان الفصل السابع والعشرون 27 والثامن والعشرون 28 بقلم اسراء علي ، لمزيد من التفاصيل حول المقال تابع القراءة

رواية ملكة علي عرش الشيطان الفصل السابع والعشرون 27 والثامن والعشرون 28 بقلم اسراء علي 

الفصل السابع والعشرون
(الجزء الأول)
ملكة_على_عرش_الشيطان

الألم…
الحُب…
الخوف…
يجعلوك حقيقيًا من جديد…

ألقى الملعقة الصغيرة بـغيظ بعدما أنهى تحضير كوبًا من الشاي الساخن ثم إلتقطه وإتجه إلى الخارج ليجد رحمة جالسة فوق الأريكة تُحدق بـ هاتفها بـ تدقيق شديد

عقد حاجبيه بـ تفكير ثم إتجه بـ خفة إليها لينظر إلى ما تنظر إليه هي..كانت تُحدق بـ ذلك الثوب الكريمي البسيط ذو التصميم الراقي و التطريز الكلاسيكي..مُغلق الصدر و الأكمام عدا فتحة مُثلثية صغيرة من الظهر

كان خاطف للأنفاس بـ النسبةِ لها..إبتسم قُصي بـ دفئ ثم إنحنى يهمس جوار أُذنها

-لو عجبك إشتريه!…

شهقت رحمة مُجفلة فـ سقط الهاتف من بين أيديها فوق الأرض لتنظر إليه بـ غيظ قائلة

-عجبك كدا!…

إلتف حول الأريكة يجلس جوارها ثم وضع الكوب أمامع فوق المنضدة القصيرة قائلًا بـ بساطة

-أنتِ اللي قلبك خفيف…

نظرت إليه بـ غيظ ثم زفرت بـ قنوط وإنحنت تلتقط الهاتف..لم تعي كون الكنزة قصيرة وبـ مجرد إنحناءها ظهر جُزءًا ليس بـ بسيط من ظهرها أسر عيني قُصي الرجولية

وحينما نهضت إبعد عينيه بعيدًا عنها يحك عنقه بـ حرج..نظرت إليه رحمة عاقدة لحاجبيها إلا أنها لم تُعلف..وعادت تتصفح هاتفها ليعود صوت قُصي يصدح بـ جدية مُلتقطًا كوب الشاي

-لو عجبك الفُستان إشتريه!…

نظرت إليه مُجفلة وقبضت على الهاتف بـ قوة..مُترددة ذلك الثوب أعجبها وبـ شدة..كانت ستشتريه حقًا ولكن ظهوره المُفاجئ جعلها تغتاظ..لذلك رفعت ذقنها بـ إباء وقالت

-مش عاجبني..إستايله قديم
-مط شفتيه وقال:أنتِ حُرة…

إرتشف من كوب شايه فـ أثار حنقها لـ لامبالاته وعدم إصراره عليها من أجل شراءه..زفرت بـ قنوط ثم نظرت إلى الكوب وقالت بـ ضيق طفولي

-معملتليش شاي ليه!
-رفع حاجبه بـ دهشة حقيقية وقال:أنتِ قولتي!
-أجابته بـ حدة:وهو أنا لازم أقولك؟!…

وضع قُصي كوب الشاي أمامه ثم ضرب كفًا فوق آخر وأردف بـ نفاذ صبر

-جرى إيه يا رحمة!..هو أنتِ بتقولي شَكْل للبيع عـ الصُبح؟…

ظلت تنظر إليه بـ عينين بنيتين قاتلتين دون حديث..حتى سئمت الوضع وإستدارت..حرك قُصي رأسه بـ يأس وأكمل إحتساؤه للشاي بـ صمت

صمت لم يدم دقائق إذ صدح صوت جرس الباب فـ نهض قُصي وقال بـ جدية

-دا أكيد أيمن..خليكِ أنا هفتح…

كانت علامات الغضب واضحة على وجههِ ولم تفلح محاولاته في إخفاءها فـ جعلت رحمة تضحك بـ خفوت واضعة يدها فوق فمها حتى لا يسمعها

فتح قُصي الباب ليرتمي الصغير بـ أحضانه فـ إلتقطته 

-أنكل قُصي!..وحشتني على فكرة
-أجابه قُصي بـ إبتسامة صفراء:وأنت كمان يا حبيب أنكل…

ثم نظر إلى أيمن الذي عقد ذراعيه أمام صدره رافعًا حاجبه الأيسر ليعبس قُصي قائلًا بـ ذات الإبتسامة الصفراء

-منور يا أيمن..تعالى إتفضل
-مال إليه أيمن وتساءل بـ خفوت:هو إيه اللي حصل!…

لم يكد يفتح قُصي فاهه حتى أحس بـ رحمة خلفه تنطلق إلى أحضان أخيها الذي إستقبلها بـ رحابة صدر رابتًا على ظهرها بـ حنو قائلًا

-حبيبتي..صباح الخير..لحقت أوحشك كدا!!
-أها…

أجابته وهى تُحرك رأسها صعودًا وهبوطًا ثم إبتعدت بعد قليل وجذبت وليد إلى أحضانها وقَبّلته بـ إشتياق جارف

ظل قُصي و أيمن يتبادلان النظرات التعجبية إلى بعضهما ولكن لم يستطع أحد الحديث..حمحم الثاني وقال

-طب أستأذن أنا
-ردت رحمة مُسرعة:لاااء تستأذن إيه!..أنت هتتغدى معانا..مش كدا ولا إيه!…

أردفت بـ سؤالها وهي تنظر إلى قُصي بـ تحدي أن يرفض..ليبتسم لها بـغيظ ثم قال من بين أسنانه

-لأ طبعًا ودي تيجي..تعالى يا أيمن…

نظر إليهما أيمن بـ تردد لتجذبه رحمة قائلة بـ إبتسامة

-أنت هتفضل واقف كدا كتير..إدخل يلا…

أغلقت الباب ثم تبعت أيمن وقُصي الذي كان ينظر إليها و يتوعد لها..أخفت رحمة إبتسامتها لتتجه بعدها إلى الداخل قائلة بـ صوتٍ عال

-هدخل أغير لـ وليد وأبدأ أحضر فـ الغدا…

أتاها صوت أيمن يُتمتم بـ شئٍ ما ولكن قُصي صوته كان خلفها مباشرةً فـ شهقت وتراجعت إلا أنه أمسك يدها وأنزل وليد قائلًا له بـ جدية دون أن تحيد عينيه عن عينيها المُتسعتين

-أدخل يا حبيبي طلع هدوم حلوة ليك عما أقول لماما كلمة
-أومأ الصغير بـ الطاعة:حاضر يا أنكل…

إنتظر دلوف الصغير ثم أردف بـ شراسة و غيظ و هو ينظر إلى رحمة المذعورة

-هو أنتِ كدا مفكرة إنك بتاخدي حقك يا رحمة!
-همست بـ تلعثم:آآ..أنت مفكر..غلط..غلط خالص
-رفع حاجبه وقال:وإيه هو اللي صح!
-أردفت بـ تبرير:وليد وحشني
-ااااه…

قالها بـ صوتٍ عال نسبيًا وهو يعود بـ رأسهِ إلى الخلف ثم عاد إليها مُقتربًا منها إلى حد خطير ثم همس فـ أغضمت عينيها لتلك الأنفاس الساخنة التي تضربها

-إحذريني يا رحمة عشان أنا صبري قليل
-إبتلعت ريقها وهمست:هتعمل إيه يعني!
-كدا مثلًا…

إقترب هذه المرة وهو يعلم أنه يقترب منها..من رحمة مُقبلًا ثغرها الصغير ، الشهي بـ قوة مُعاقبًا إياها..وهي فتحت عيناها مصعوقة لما فعله وتلك المُفرقعات الصغيرة التي تتفجر بـ خلايا جسدها..يديها موضوعتين على ذراعيه تتكئ عليه

إبتعد قُصي مذهولًا لما فعله ولكنه أخفى تعابيره حتى لا يجرحها ثم همس بـ صوتٍ أجش

-إحذري مني يا رحمة ومن اللي هعمله…

إبتعد قليلًا عنها ثم قال بـ خفوت وهو يستدير

-إدخلي وليد بينادي عليكِ…

ثم تركها وإتجه إلى الخارج حيثُ أيمن وكِلاهما لم يفقا من الصدمة بعد

************************************

كانت جالسة بـ جوار النافذة تنتظر قدومه فـ قد تأخر كثيرًا ولم تستطع مُهاتفته..تُفكر هل تركها ورحل أم إستدعته جميلة فـ لم يستطع إلا وأن يُلبي النداء

كورت قبضتها حينما توصلت إلى هذا الإستنتاج ونيران تنهش أحشاءها..إتسعت عيناها لتلك المشاعر التي باتت تضربها بـ كثرة هذه الأيام..ما بالها أصبحت تغضب كُلما تظن أنه سيذهب إلى جميلة أو أنه يقضي أوقاتًا معها!..هي لم تكن لتشعر بـ هذا قبلًا فـ ماذا حدث الآن!

زفرت بـ نفاذ صبر و ضيق أطبق على أنفاسها فـ أغمضت عيناها ولكن سُرعان ما فتحتهما وهي تستمع إلى صوت سيارة بـ الخارج

إنتفضت واقفة وبدأت مُعدلات ضربات قلبها بـ التسارع تنتظر دلوفه العاصف..وقد صدقت ولكن دلوفه كان هادئ لا يحمل أي أثر لعاصفة

نظرت إلى يديه فـ وجدته يحمل أكياسًا بلاستيكية وملامحه التي تُخفيها نظارة شمسية تجعلها غير مقروءة

وضع ما بـ يده ثم نزع النظارة ونظر إليها فـ وجدها تنظر إليه بـ تحفز..توجه إليها فـ تراجعت قبل أن يقول بـ خفوت ونبرةٍ غامضة

-لو جعانة كُلي…

ولم يزد إتجه إلى الغُرفة..قطبت سديم حاجبيها ماذا حدث له ليجعله هكذا!..مُنذ ساعات لم يكن هكذا بل كان عابثًا و تعابيره أكثر هدوءًا عن تلك حاليًا

زفرت بـ حيرة ثم توجهت إلى الأكياس وبدأت بـ فضها فـ جوعها الذي نهش جدران معدتها جعلها تُؤجل التفكير لما حلَ به فيما بعد

بعد فترة قصيرة

كان أرسلان يخرج من الغُرفة يرتدي كنزة داخلية بيضاء وبنطاله الچينز المُهترئ ثم توجه إلى الباب الخلفي..أوقفته سديم هاتفة بـ تعجب

-رايح فين!!…

إستغرق منه الأمر عدة لحظات حتى أجاب بـ جمود دون أن ينظر إليها

-مش كنتِ عاوزة حطب عشان الدفاية!
-أها
-طيب بتسألي ليه؟!…

قطبت سديم وشعرت بـ قبضة أثلجت قلبها لحديثه الجاف معها فـ أصابتها خيبة أمل لتهتف بعدها بـ.همسٍ حانق

-أنا غلطانة…

لم يرد عليها أرسلان بل خرج وأغلق الباب..قذفت سديم الشطيرة التي بـ يدها وجلست فوق المقعد بـ غيظ هادرة بـ حنق 

-وأنا اللي قلقانة عليك والشاي كمان برد!..صحيح مش هتتغير أبدًا…

مر الوقت وأرسلان لم يدخل بعد وسديم قد تمكن القلق منها..فـ هو لم يأكل مُنذ البارحة وأيضًا هي تُريد أن تعلم ماذا حدث بـ تلك الساعات التي إختفى بها

لذلك نهضت وحضرت شطيرتين وكوبًا جديد من الشاي ثم توجهت إلى الخارج وقبل أن تفتح الباب..تأكدت من هيئتها و عدّلت خُصلاتها لتنثرها بـ جاذبيا على كتفيها ثم أظهرت تعابير الثقة و اللا مُبالاة على وجهها

فتحت الباب ونظرت حولها فـ لم تجده..قطبت بـ تعجب وتساءلت بـ همس

-هو راح فين!…

أرهفت السمع إلى ذلك الصوت الآتي من الجهة المجاورة للمنزل فـ تبعته حتى وصلت إليه

وطارت الثقة و اللا مُبالاة وهي تنظر إليه..إرتبكت وكادت أن يسقط ما بيدها أرضًا ولكنها تماسكت وهمست لنفسها بـ ثقة واهية

-إهدي يا سديم..مش أول مرة يعني تشوفيه كدا ولا تشوفي راجل كدا..ما أنتِ بتعملي عمليات لرجالة عادي…

أخرجت نفسًا حار عكس البرودة التي تضربها بسبب الطقس ثم تقدمت منه بـ خُطىٍ مُرتبكة

كان عاري الصدر يُمسك فأسًا ويُحطم الحطب إلى قطع صغيرة..عضلات صدره ومعدته البارزة تحت أشعة الشمس فـ أظهرتها لامعة جعلت أنفاسها تزداد حرارة وخجلًا

حمحمت سديم فـ إنتبه أرسلان إليها ليتوقف عما يفعل..إتكئ بـ ساقه إلى تلك الصخرة الصغيرة وتساءل

-بتعملي إيه هنا!
-حمحمت سديم مرةً أُخرى وقالت بـ إرتباك:أصل..أصلك مفطرتش وقولت أعملك فطار خفيف…

نظر أرسلان لما بـ يدها ثم إليها ليقول بـ جمود وهو يُعاود إلتقاط الفأس

-مش عاوز…

زفرت سديم بـ غضب ثم تقدمت منه لتُمسك يده وتضع بها ما معها وهدرت بـ غيظ

-منا متعبتش نفسي عشان تقولي مش عاوز
-أجابها بـ لا مُبالاة:محدش قالك إتعبي نفسك…

حملقت به بـ دهشة وهي تراه يضع الطعام أرضًا وعاود إلتقاط الفأس..وقبل أن يرفعه أمسكت سديم يده وهمست بـ تفاجؤ

-مالك!..أنت مش طبيعي من ساعة أما جيت من برة..هو حصل حاجة؟!
-أجاب أرسلان بـ جمود و قسوة:حاجة متخصكيش…

أبعد يدها ولكنها بـ إصرار عاودت إمساك يده وهو نظر إليها بـ غضب وشراسة إلا أنها لم تُبالي ثم أردفت بـ قوة

-لأ يُخصني..وحتى لو ميخصنيش أنا مقبلش إنك تتكلم معايا كدا وعلى الأقل لو فيه حاجة مش عاوزة أعرف بس متطلعش زهقك وعصبيتك عليا…

ظل أرسلان ينظر إليها بـ قناع صلب..لتترك يده ثم دارت حوله وإلتقطت الطعام هاتفة بـ جمود

-ويلا كُل…

وضعت الطعام بـ يده وكادت أن ترحل ولكنه أمسك يدها وقال بـ هدوء

-من واجب الزوجة إنها تأكل جوزها…

إستدارت سديم بـ شراسة لا تُصدق هذا الشخص..غموضه وتقلب مشاعره ومزاجيته يُخفيها ويُغضبها..ولكنها عقدت ذراعيها وهتفت بـ برود

-أنا عملت الأكل مش واجب عليا أأكلك…

شهقت سديم وهي تراه يجذبها إليه بـ ذراعٍ واحد مُحيطًا خصرها..وضعت هي يديها على صدرهِ تنظر إلى سوداويه العابثتين كما الصباح تمامًا بـ أُخرتين زرقاوتين ، غاضبتين بـ شدة ثم أردف هو بـ خُبث

-اللي أقوله يتنفذ
-هدرت بـ عناد:لأ..وسبني بقى
-حاضر…

أبعد يده عن خصرها وكادت أن تبتعد ولكنه أسرع بـ وضع يده خلف رأسها وجذبها إليه..شهقت سديم وهي على بُعد مقدار إنش واحد عن وجهه..نظرت إليه بـ عينين مُتسعتين وهو يقول بـ مكر

-هتسمعي الكلام ولاااا!…

صرت على أسنانها وحاولت الإبتعاد إلا أن يده القوية كانت تُمسكها جيدًا..إقترب حتى مست شفتيه خاصتها فـ صرخت قائلة

-خلاص..هأكلك..ممكن تسبني بقى…

بقيا على وضعمها وأرسلان يمس شفتيها بـ رقة قبل أن يبتعد حينما لمح حُمرتها لتنتفض سديم مُبتعدة

إبتسم أرسلان وهو يجلس فوق الصخرة ليقول بـ نبرة تسلطية

-تعالي قدامي يلا…

ضيقت سديم عيناها بـ غضب..ضربت الأرض بـ قدمها وتقدمت منه إتقاءًا لأفعاله الغير متوقعة..إستدارت تقف أمامه لتجده ينظر إليها بـ مكر وشيطانية

رفع الصحن فـ جذبته منه لتمد يدها و تضع الشطيرة بـ فمه فـ جذبها أرسلا لتجلس فوق ساقيه..زفرت سديم بـ قنوط وقالت

-وبعدين بقى!
-الحق عليا مش عاوزك تتعبي من الوقفة…

سارت رجفة وهي تستشعر يده حول خصرها ويدها فوق صدره العاري..العاري!!..شهقت سديم وحاولت التملص إلا أنه منعها قائلًا

-إهدي عشان مش هتقومي
-همست بـ تلعثم وهي تتحاشى النظر إليه:طب..طب إلبس هدومك…

إبتسم أرسلان بـ سُخرية قبل أن يقول بـ هدوء وبساطة

-طب هاتيها من وراكي…

مدت يدها سريعًا تلتقط الكنزة ثم أعطتها إليه ولكنها تفاجئت من همسه الخبيث

-لابسيهالي…

الفصل السابع والعشرون
(الجزء الثاني)
ملكة_على_عرش_الشيطان

إختفى صباح ذلك اليوم السابق ولم تره مُنذ ذلك الحين..حتى الآخرى لم تراها أيضًا فـ علمت أنهما معًا..إشتعلت غيرتها العمياء فـ تشتعل معها نيران الإنتقام..ستقتلها وتقتله 

مسح جميلة على خُصلاتها..هاتفته أكثر من مرة وهو لا يرد..اليوم موعدها مع الطبيب الخاص بها ولم يحضر..ألم يكن ذلك الإبن هو من جمعهما معًا !..ألم يكن هو إبنه الذي رفض أن يولد كـ “إبن حرام”؟..إذًا لماذا لم يحضر!!

إشتدت يدها على خُصلاتها فـ شعرت بـ الألم لذلك توقفت ثم أخذت نفسًا عميق وقررت عدم التفكير حاليًا

هبطت من السيارة بعدما وصلت إلى المركز الطبي يتبعها الحارسين اللذين أصبحا كـ ظليها لا يبتعدان عنها أبدًا

صعدت الدرجات القليلة حتى وصلت إلى مكتب الإستقبال..وقفت أمام الموظفة وقالت بـ إستعلاء

-معايا معاد مع الدكتور..ياريت تبلغيه
-إبتسمت الفتاة بـ إصفرار وقالت:اسم حضرتك إيه!
-جميلة الهاشمي..مدام جميلة الهاشمي…

بحثت الفتاة بـ حاسوبها عن اسمها فـ وجدته مدون..رفعت أنظارها إليها ثم قالت بـ عملية

-ثواني أبلغ الدكتور
-تأففت جميلة قائلة:طيب…

تحركت الفتاة حتى وصلت إلى غُرفةٍ جانبية ثم إختفت بها بعد عدة طرقات لتعود وتظهر..على بُعد خطوات توقفت الفتاة وقالت بـ هدوء

-الدكتور مستني حضرتك يا مدام…

تحركت جميلة بـ إستعلاء حتى وصلت إلى الغُرفة ثم دلفت دون أن تطرق..تأففت الفتاة ثم تحركت إلى مكتبها دون تعليق

أما بـ الداخل كانت جميلة تتطلع بـ جميع أنحاء الغُرفة حتى وقعت عيناها على مكتب الطبيب والذي يوليها ظهره..رفعت حاجبها بـ إستنكار ثم تقدمت وهي تهتف بـ فتور

-عاوزة الكشف يخلص بسرعة يا دكتور عشان مستعجلة
-وليه مستعجلة!..ما الوقت قدامنا طويل…

تجمدت جميلة وهي تستمع إلى تلك النبرة الماكرة والتي تعرفها جيدًا..إتسعت عيناها وهي تراه يلتفت إليها وعلى وجهه إبتسامة مُنفرة

كادت أن تنهض وتصرخ إلا أنه وجه إليها مُسدسه وقال بـ غلظة

-لو عملتي أي حركة أو صوت..هفجر دماغك
-هتفت بـ تلعثم وهي تبتلع ريقها بـصعوبة:عـ..عاوز إيه!…

كانت تتأمل وجهه المشوه إلى حدٍ ما..ذلك الجرح بـوجنته الذي ترك أثرًا غائرًا ليس من السهل محوه بـ الإضافة إلى بعض الحروق الطفيفة التي أصابته نتيجة تناثر شظايا السيارة إثر الإنفجار

إبتسمت بـ سُخرية وهي تتهكن أسباب تشوهه لتقول بـ خُبثٍ إكتسبته منه

-يا ترى لما فشلت تضم الدكتورة معاك جايلي أنا!
-ضحك نزار وقال:عملتيها مرة ومفيش مانع تعمليها تاني
-ضربت سطح المكتب بـ يدها وقالت:أرسلان لما عرف كان هيقتلني لولا…

قاطعها وهو ينظر إليها بـ عيني ذئب ثم همس بـ فحيح مُرعب أسار رجفة قوية بـبدنها كله

-لولا إبنه اللي فـ بطنك…

حاوطت جميلة بطنها الصغير وقالت بـ حدة وصوتٍ جهوري

-إياك تفكر تلمس إبني
-تؤتؤتؤ..أوعدك مش هقرب منه..لأني ناوي أستفيد من ولي العهد…

عادت تضرب سطح المكتب بـ قوة أكبر ثم بـ صوتٍ غليظ ، حاد لا يمط لـ أنثوتها بـ صلة

-خيانة!..مش هخون تاني يا نزار..وإبعد عن سكتي عشان أنت متعرفش جميلة الرقاصة لسه..ها الرقاصة..خليك فاكر…

قهقه نزار بـ قوة حتى أدمعت عيناه تحت نظرات جميلة الشرسة كـ قطة ذات مخالب ثم أردف بـ مرح من بين ضحكاتهِ العالية

-طب منا عارف جميلة ممكن تعمل إيه..عشان كدا إختاري الجهه الصح زي المرة اللي فاتت عشان تكسبي…

لم ترد عليه بل ظلت تنظر إليه بـ ذات النظرات الشرسة لينهض نزار مُتقدمًا منها ثم إنحنى إلى مستوى أُذنها محاوطًا كتفيها وهمس بـ فحيح أفعى

-أرسلان نهايته قربت..فـ متقربيش نهايتك يا جولي عشان أنتِ عارفة نزار هيعمل إيه لو مسمعتيش الكلام
-إبعدت وجهها عنه وهمست بـ حدة:إختارت الجهه الصح يا نزار..ملكش دعوة
-ضغط على كتفيها وأكمل همسه:المرادي هخلصك من الدكتورة بجد..كل اللي عاوزه هو فُرصة صغيرة بس أقدر أتكلم فيها مع المدام…

إستدارت بـ رأسها إليه ثم أبعدت كفيه عنها وقالت بـ سُخرية كـ نظراتها

-الهانم مُختفية مع الشيطان معرفش هما فين
-رفع كتفيه وقال:بسيطة كلميه و قوليله إنك تعبانة ومحتاجاه ضروري…

حينها صدرت عنها ضحكة أنثوية رقيعة ثم هتفت بـ سُخرية 

-فكرك متصلتش!..فكرك كنت هتبقى موجود لو كان رد عليا؟
-إحتدت عيناه وهو يهدر:إتصرفي يا جميلة أحسنلك..بدل أما نهايتك ونهاية ولي العهد اللي لسه مشرفش تكون على إيدي…

حاوط ذراعيها ثم أنهضها عن المقعد ليقول بعدها بـ صوتٍ جهوري

-ودلوقتي غوري..فـ ظرف يومين أسمع أخبار حلوة زيك…

ثم دفعها إلى الخارج لتنظر إلى الغُرفة بـ نظرات سوداء ، قاتلة قبل أن تهمس وهي تتجه إلى خارج المركز الطبي

-طيب يا نزار..شوف بقى جميلة هتعمل فيك إيه…

*************************************

-أفندم!…

تساءلت سديم بـ عدم فهم لسؤالهِ الذي باغتها ليبتسم أرسلان بـ خُبث قائلًا

-يعني ألبسها إزاي وأنا ماسكك!..أسيبك تُقعي
-جعدت وجهها بـ غضب قائلة:بطّل سخافة وإلبس..نفسي أفهم إزاي مبتحسش بـ البرد دا
-إتعودت لما كُنت فـ السجن…

كيف له أن ينطق ما نطقه توًا بـ تلك البساطة..حملقت به بـ ذهول لما خرج من فمه..وكأنه قرأ ما يدور بـ خلدها ليُكمل بـ نفس البساطة والهدوء

-متستغربيش فترة السجن دي بالنسبالي كانت مجرد محطة راحة…

إبتلعت سديم ريقها بـ توتر و من دون حديث ألبسته الكنزة بـ صمت ثم نظرت إلى عينيه وتساءلت

-إزاي قدرت تدخل القسم والمفروض هربان!
-تنهد أرسلان وأجابها بـ هدوء:لكل قاعدة شواذ 
-عقدت حاجبيها وتساءلت:مش فاهمة
-يعني الظابط اللي دخلت له دا معرفة قديمة وعارف كل حاجة..عشان كدا قدرت أدخل وأخرج من غير أما يتعرف عليا حد..أنا برضو مش أهبل…

قربت الشطيرة من فمه ليقضمها أرسلان وهو ينظر إلى عينيها الزرقاوتين ، الذاهلتين ثم أكملت وكأنها تُحادث نفسها

-إزاي بتقدر تكون كدا!..مش فاهمة نوع الحياة اللي أنت عايشها ولا فاهمة أنا ليه فيها!..أنت حياتك كلها أسود
-إبتسم أرسلان من زاوية فمه وقال:مش جايز فـ يوم تتلون..مع إن اللي زيي ملوش النور…

عادت تُقرب الشطيرة ثم تبعته بـ كوب الشاي لتتساءل بـ شئٍ من الإستنكار

-وليه ملجأتش للقانون!..فرقت إيه عنهم!!
-ضحك أرسلان بـ سُخرية وقال:وفكرك لما لجأت للقانون عملوا إيه غير إنهم مسابوش حد من عيلتي عايش..بلاش نتكلم فـ حاجة أنتِ مش فاهماها
-هدرت سديم بـ شراسة:كون إني عارفة أفعالك ومتسترة عليك يبقى بشاركك جرايمك
-رد بـ بساطة:روحي بلغي البوليس..مش مجبورة إنك تسكتي…

وضعت يدها فوق جبينها وعينها اليُسرى ثم قالت بـ ضياع وهي تنظر إلى سوداويهِ الخالية من المشاعر

-أنا مش فهماك..كل ما أحس إني بفك عقدة بلاقيها بتتعقد أكتر…

أمسك يدها مُبعدًا إياها عن وجهها ثم أردف بـ جمود 

-يبقى متحاوليش تفهميني..تعايشي معايا كدا لحد أما أفك أسرك…

لم تعلم لما هوى قلبها لوقع كلماته إلا أنها إبتلعت تلك الغصة الغريبة وقالت بـ خفوت

-وأنت هتفك أسري أمتى…

إبتسم وهو يُمسك يدها ليُقرب الشطيرة من فمها ثم قضمها وقال بعدها

-قُريب متخافيش..قُريب سلسلة الدم هتخلص وساعتها هختفي وهتنسي إنك عرفتيني أصلًا…

*************************************

-هو فيه إيه يا قُصي!..أنا حاسس إن رحمة شوية وهتقلب تنين هينفخ فينا نار دلوقتي…

همس بها أيمن وهو يميل إلى قُصي الذي إستمع إلى سؤالهِ لينظر إلى رحمة خلسةً فـ وجدها تشتعل إحمرارًا غاضبًا وكان هذا مُنعكسًا على عُنفها بـطريقة تناولها الطعام وإطعامها للصغير

ناهيك عن نظراتها القاتلة التي ترمق قُصي بها من الحين إلى الآخر والذي يلتقطها قُصي بـ مهارة ولكنه يتجاهلها بـ مهارة أكبر..وبينهما أيمن الذي ينتقل بـ بصرهِ بينهما ليهمس بـ قلة حيلة

-كانت جوازة الندامة…

وعلى الجانب الآخر 

هُناك رحمة التي لم تُصدقما فعله ذلك القُصي..يُقبلها هكذا ثم يرحل دون حديث والأنكى أنه لم يوجه لها حديث بعد ذلك

طوال فترة تحضيرها لطعام كان شيطانها يوسوس لها أنه لم يرها سوى سديم..تلك الفتاة والتي بسببها هي تُعاني..رحمة لم تكن ظل شخص أو مُسكنًا للآلام..رحمة فتاة مُستقلة حينما أرادت الحُب..ندمت..حقًا ندمت وليتها لم تُصدق تلك الكذبة

وحين أخبرها أيمن بـ طلب قُصي لزواج منها..كان للعقل الكفة الأرجح..زواجها منه لن يكون فاشلًا..ماذا جنت من الحُب سوى الذُل والمهانة..وعلى الرغم من ترددها وإصرار أيمن..إلا أنها وافقت بـ الأخير لعل وعسى يُحالفها الحظ هذه المرة

ولكنها كانت الأسوء فـ هي لم تكن سوى أداة إنتقام لقُصي الذي فشل حُبه فشلًا ذريعًا..كما رفضها من أجل تلك الفتاة والذي لم ينزع حلقته الفضية ومن المؤكد دُوِنَ احرف اسمها عليه

عند تلك النُقطة نهشت الغيرة جُدران قلبها لأُنثى لا ترغب أن تُشاركها أُخرى حتى وإن كانت لا تُحبه ولكن حواء لا تقبل بـ المُشاركة..وعلى حين غُرة نهضت بـ عُنف قائلة بـ صوتٍ مكتوم

-أنا قايمة أعمل شاي
-إستني أنا هقوم أعمله…

قالها قُصي وهو ينهض حاملًا صحنه الفارغ لتسحبه رحمة منه قائلة بـحدة من بين أسنانها

-لأ خليك..أنا هعمله
-إلا أن قُصي أردف بـ هدوء:قولت خليكِ…

نهض أيمن وسحب الصحن من بينهما وقال بـ مرح زائف مُقللًا من حدة الأجواء

-لا أنت ولا هي..أنا هدخل أعمله وأنتوا صفوا خلافتكوا…

ثم نظر إلى الصغير وليد وقال بـ إبتسامة

-تعالى ساعد خالك يا ويلو
-حاضر يا خالو…

توجه الإثنان إلى المطبخ تاركين قُصي و رحمة ينظران إلى بعض بـ نارية

عاد أيمن من المطبخ وقال بـ مرح

-لو الواد دا مزعلك..أطلقك منه عادي
-نظر إليه قُصي وقال:خُش الله لا يسيئك بلاش خرااب بيوت…

ضحك أيمن ثم دلف لتعود حرب النظرات بينهما بـ النشوب قبل أن يقطع الصمت مُستاءلًا بـ فتور وهو يعقد ذراعيه فوق صدره

-ممكن أفهم ليه زعابيب أمشير دي!
-لملمت الصحون هتفت بـ حدة:ملكش دعوة بيا…

إقترب قُصي منها ثم قال مُشددًا على أحرفه والتي خرجت قاسية بعض الشئ

-فكرك كدا هنعرف نبدأ حياتنا وأنتِ كل شوية تتصرفي بـ الطريقة دي!
-أشارت إلى نفسها وقالت:أنا برضو
-أومال أنا؟
-تأففت رحمة وقالت:أنت عاوز إيه يا قُصي؟!
-أجاب قُصي بـ وضوح:عاوزك تشيلي أي تفكير من دماغك عشان نبدأ صح يا رحمة..واللي حصل بينا من شوية دا طبيعي بين أي أتنين متجوزين…

غزا الإحمرار وجنتيها وإضطربت لحديثه العادي حول ذلك الموضوع المُخجل بـ شدة إلا أنها تماسكت وتساءلت بـ شك

-يعني أنت عارف كُنت بتقرب لمين!
-إبتسم بـ مُشاكسة وقال:تعالي نجرب تاني وأنا أجاوبك…

ظهرت إبتسامة لعينة على شفتيها لتُخفيها بـ يدها ثم قالت بـ حرج

-بلاش رخامة..أنا بتكلم جد…

نظر قُصي إلى عينيها ثم قال بـ صدق نفذ إلى أعماقها 

-شايف مراتي..شايف رحمة..وعاوز رحمة متخلنيش أشوف غيرها…

إبتسمت بـ إتساع على الرغم من عدم ثقته لحديثه وأن الطريق لكيلهما صعب..صعب جدًا إلا أنه لن يستسلم ولن يدعها تستسلم..قُصي لن يسمح لقصة حب لم يُكتب لها النجاج أن تقضي على المُتبقي من حياته

-الحمد لله بقيتوا زي السمن على العسل…

قالها أيمن وهو يضع أكواب الشاي فوق المنضدة الصغيرة ليضحك قُصي قائلًا بـ مرح

-إطلع منها أنت بـ بوزك دا وهنبقى تمام
-الله أختي يا جدع ومن حقي أخاف عليها…

أردف بها أيمن وهو يُعانق شقيقته ليغمزها قُصي قائلًا بـ إبتسامة مُشاكسة

-أنا اللي أولى أخاف عليها..دي مراتي يا جدع…

************************************

بعد مرور سبعة أيام 

سبعة أيام قضتهم سديم وكأنهم من الجنة..إكتشفت جوانب عديدة لـ أرسلان وليس فقط شيطانه..كانا يقضيان أغلب أوقاتهما في تدريباتها التي لم تتقدم سوى درجة واحدة

إبتسمت سديم وهى تُحرك ما بـ المقلاةِ بـ شرود وهي تتذكر غضبه وعبارته التي هدر بها مُنذ قليل

-الرصاص بـ فلوس يا دكتورة..أنا مش قاعد على بنك هخلص فلوسي على الرُصاص…

لم تفهم إصراره على تعليمها التصويب ولكنها لم تُعارضه خصوصًا ما يُظهره من صلابة وشدة 

-الأكل إتحرق…

شهقت وهي تستمع إلى صوتهِ القريب منها ويده التي مست خصرها وهي تتجه إلى الموقد لتُغلق الشُعلة

نظرت إلى محتويات المقلاة التي إحترقت فـ لم تعتقد أنها شردت لتلك الدرجة..ألقت الملعقة وتنهدت بـ قنوط قائلة

-مفيش غدا
-ما أنتِ فاشلة
-هدرت بـ غضب:الله بقى!..أعمل إيه متعلمتش الطبخ أنا
-وضع يده بـ خصرهِ وتساءل:طب هنعمل إيه!
-رفعت منكبيها بـ بساطة وقالت:نقضيها جِبن…

رفع حاجبه بـ إستنكار ثم تقدم منها حتى حاصرها بينه وبين الموقد..إتكئت سديم إليه وقالت بـ تلعثم و خجل

-إيه!!..مـ..مالك!
-همس بـ خُبث:بفكر أكل
-متتهورش..وإبعد..أنت قولت إنك هتسبني فـ بلاش كدا…

تحسس شِفاها السُفلى بـ إبهامهِ بـ رقة فـ إرتعشت بين يديه كـ عصفور صغير ثم تشدق بـ خفوت وهو ينظر إلى عينيها المُضطربتين

-وليه معملش كدا!..أنتِ مراتي
-همست بـ خفوت هي الأُخرى:ما أنت هتسبيني…

حاوط خصرها يجذبها إليه ثم همس وهو يدنو بـ شفتيه إلى خاصتها

-وجايز لأ…

وكانت العبارة الأخيرة التي نطق بها قبل أن تستحوذ شفتيه على خاصتها ثم حملها لتُدير ساقيها حول خصره وذراعيها حول عُنقه

إتجه بها ناحية الغُرفة دون أن يفصل القُبلة ليضعها فوق الفراش..وهو يعتليها..أبعد خُصلاتها المُتناثرة ثم إبتسم إبتسامة جعلت قلب سديم يخفق بـ قوة أكبر..إبتسامة جعلتها تبتسم رُغمًا عنها .. على الرغم من الفراق الذي وعدها به إلا أنه لا بأس بـ بعض اللحظات بين أحضانه لربما تغيرت الأحداث أو توقف الزمن..لربما وقعت بـ عشقه

مال أرسلان أكثر إليها وقبل أن يعود ويُقبلها..صدح صوت هاتفه الذي أجفلها..أطلق أرسلان سبة نابية و بقى على وضعيته..إلا أن سديم همست بـ خجل

-مش هترد…

مدّ يده يسحب الهاتف دون أن يتحرك ثم أجاب بـ صوتٍ جهوري

-أيوة!…

أتاه الصوت من الجهه الأُخرى هلعًا وهو يقول بـ أحرف مُشتتة

-إلحق قُصي بيه يا باشا…

إنتفض أرسلان مُبتعدًا عن سديم وهدر بـ نبرةٍ سوداء ، جهورية جعلتها تنتفض جالسة 

-ماله إيه اللي حصل!
-راح شركة نزار..و فاضل ساعة وعشر دقايق والشركة تنفجر…

الفصل الثامن والعشرون
ملكة_على_عرش_الشيطان

الحُب…

إما بقية من شئ يتضاءل وكان هائلًا فيما مضى
أو أنه جزء من شئ سيغدو هائلًا في المُستقبل
أما في الوقت الحاضر فلا يروي الغليل لأنه يمنح المرء أقل مما يتوقعه بـ كثير 

صعد درجات السلم بـ هدوء وخيلاء دون أن ينزع نظارته الشمسية ليقف أمام المُساعدة الخاصة بـ نزار وأردف بـ جمود

-نزار جوه!…

نظرت إليه المُساعدة بـ نظرات ذاهلة لذلك الشخص الذي يقف أمامها ويتحدث بـ تلك النبرة الجامدة لترف بـ عينيها عدة مرات هامسة بـ دهشة

-أفندم!…

رمقها قُصي بـ نظرات مُزدرية قبل أن يتركها ويتجه إلى غُرفة المكتب لتنهض الفتاة وتُناديه بـ شئٍ من الحدة

-يا أستاذ أنت رايح فين!..يا أستاذ…

لم يعرها قُصي إهتمام بل فتح الباب بـ قوة جعل نزار يرفع رأسه سريعًا وسُرعان ما إبتسم وهو يراه أمامه..كانت الفتاة تقف بـ جوار الباب لتهتف بـإعتذار

-أسفة يا فندم بس مقدرتش أمنعه…

نهض نزار وإلتف حول مكتبه ثم أردف بـ إبتسامة باردة وهو يُحدق بـ ملامح قُصي القاسية 

-محصلش حاجة..روحي أنتِ دلوقتي ومتسمحيش لحد يدخل
-حاضر يا فندم…

دلف قُصي لتخرج هي وتُغلق الباب خلفها وبقيا هما الإثنين بـ مواجهه بعضهما

إتكئ نزار إلى حافة مكتبه عاقدًا لذراعيه أمام صدره ثم قال بـ خُبث

-عاش من شافك يا قُصي باشا..مشوفتكش يا راجل من وقت لما دخلتك السجن…

لم يرد قُصي بل بقى يُحدق به حتى نزع نظارته ليضحك نزار ويقول بـ سُخرية

-طب عرفني سر الزيارة طيب!…

وضع قُصي نظارته بـ جيب سُترته ثم خطى إتجاه نزار حتى وقف أمامه مُباشرةً فـ بدى كـ مارد بـ ملامحهِ التي تزداد ظُلمة ثم أردف بـ خفوت خطير

-نهايتك هتكون على إيدي يا نزار
-رفه نزار حاجبيه وقال بـ دهشة مُصطنعة:لا يا راجل!…

أخرج قُصي مُجلد أصفر اللون صغير ثم قذفه بـ وجه نزار الذي تجهم ثم قال بـ فحيح

-إقرأ وإتفرج وأنت تعرف…

عقد نزار حاجبيه ولكنه فتح المُجلد ليجده يحتوي على بضع صور فوتوغرافية تُظهر أعماله الغير مشروعة بـ الإضافة لما يُديره حاليًا من أعمال بـ قسم غيرِ معروف بـ تلك الشركة

إتسعت عيناه بـذهول ثم رفع أنظاره إلى قُصي الذي يُحدق بهِ بـ سُخرية ليهدر بـ صوتٍ جهوري

-جبت الورق دا منين
-حك قُصي ذقنه وقال:مش مهم جبته منين..المهم هو هيوديك فين…

إستعاد نزار هدوءه ثم قال وهو يضع المُجلد خلفه بـ برود وخُبث

-حتى لو هيوديني السجن..ساعة زمن وهطلع
-ضحك قُصي وقال بـ نبرةٍ سوداء:وفكرك دي تاهت عني!..أنا هنهي حياتك زي ما نهيتوا حياة كبش الفدا قُصاد أرسلان فـ السجن…

إهتزت حدقتي نزار لولهة قبل أن يقول بـ سُخرية خرجت غاضبة 

-وهتوسخ إيدك بـدمي يا حضرة الظابط…

إقترب قُصي منه خطوة حتى وقف أمامه لا يفصل بينهما إنش واحد ثم قال بـ فحيح أفعى

-وماله..ما دا حقي..وحق عيلتي اللي قتلتوها
-مش كان أرسلان برضو هو اللي قتلهم!..دا أنت حتى معترف عليه…

إبتسم قُصي من زاوية فمه ثم إبتعد رادفًا بـ هدوء وخُبث

-ليه متقولش إن دا خطة بيني وبينه عشان مُخطط إنتقام لينا!..يعني هو يمهدلي الطريق عشان أوصلك
-ضيق نزار عيناه وتساءل بـ خفوت:قصدك إيه!
-رفع قُصي كتفيه وقال بـ بساطة:مقصديش حاجة…

*************************************

-وقف القُنبلة بسرعة يا غبي ومتخليش حد يعرف..أنا جايلك حالًا…

هدر بها أرسلان بـ صوتٍ مُرعب قبل أن يقذف الهاتف بـ قوة ليصطدم بـ الحائط ويتحطم إلى أشلاء

إنكمشت سديم على نفسها وتساءلت بـ خوف وهي ترى أرسلان يدور بـ الغُرفة ك أسد غاضب

-هو..هو في إيه!!!…

كان أرسلان بـ حالة من الجنون والغضب ليرد عليها ولكنه أخذ مفاتيح سيارتهِ وقبل أن يخرج هدر بـ صوتٍ جهوري

-متتحركيش من هنا نهائي…

أومأت بـ خفة ليخرج هو فـ إنتفضت على صوت صفع الباب بـ شدة وظلت تتساءل داخلها عما حدث ليكن أرسلان بـ تلك الحالة التي تراها عليه من قبل

وبـ الجهه الأُخرى 

صعد أرسلان سيارته ثم أدار المُحرك وإنطلق بـ سيارتهِ وكأنه يُسابق الريح..ضرب على المقوّد عدة مرات بـ قوة صارخًا بـ عُنف

-غبي..غبي يا قُصي..جاي تتحرك دلوقتي وأنا بنهي إنتقامي!…

بحث سريعًا عن هاتفهِ الآخر حتى وجده..ضغط على شاشته ثم وضع الهاتف فوق أُذنه ليأتيه الرد بعد عدة ثوان

-ألو!..مين معايا؟
-هدر أرسلان بـ زمجرة:حالًا تُخرج من الشركة..سامعني!..أُخرج ومتسألش ليه…

عقد قُصي حاجبه وهو ينظر إلى نزار الذي تُحادثه مساعدته الخاصة بـ همس ثم تساءل دون أن يُزيح ناظريه عنهما

-أخرج!..ليه إيه اللي حصل؟…

إخترق أُذنه صوت صُراخه والذي ينم عن مدى خطورة الأمر

-قولتلك متسألش..سيب كل حاجة وراك وإطلع من الشركة…

كانت المُساعدة قد رحلت وسمع قُصي بعدها صوت الباب يُغلق بـ القفل ونزار يجلس أمامه بـ إبتسامة ماكرة ومُسدس موجهًا إلى صدره..ليقول بعدها بـ جدية وعينيه تخترق عيني الآخر

-مش هينفع…

تجمدت يدي أرسلان فوق المقوّد ثم تساءل بـ صوتٍ غريب ، مُتباعد

-يعني إيه مش هينفع!
-يعني مش هينفع أطلع من الشركة غير يا قاتل يا مقتول…

وبعدها أغلق قُصي الهاتف ليهدر أرسلان بـ غضب

-قُصي!!..قُصي!!…

جأر بـ صوتهِ ثم قذف الهاتف بـ جوارهِ وزاد من سُرعته حتى كادت السيارة أن تحيد عن مسارها أكثر من مرة ليصل بـ وقتٍ قياسي إلى شركة نزار

أخرج مُسدسه الفضي ثم ترجل من السيارة سريعًا ليجد أحد رجليه واقفًا..إقترب أرسلان منه وبـ عينين تقدحان شرر هدر

-عملت إيه!
-هتف الآخر بـ تلعثم:و..وقفـ..وقفتها يا باشا متقلقش
-غور…

دفعه أرسلان بـ قوة حتى سقط الرجل أرضًا..صعد أول درجتين وحاول فردي الأمن إيقافه ولكن غضبه كان أقوى فـ ضربهم بـ قسوة وأكمل طريقه

شحذ مُسدسه ثم رفعه إلى الأعلى وأطلق رصاصتين لتصدر صرخات من جميع الموظفين والمتواجدين..علا صوتهِ الغاضب بـ غضب أسود

-كله يطلع بره..مش عاوز أشوف مخلوق هنا…

ركض الجميع إلى الخارج وسادت حرب طاحنة بين رجال أرسلان ورجال نزار حتى عمت الفوضى المكان

*************************************

وبـ الأعلى

إلتقطت أُذني قُصي ونزار صوت الصرخات والرصاص المُنطلق بـ الأجواء فـ هتف الأخير بـ مكر

-الشيطان وصل…

نهض نزار وإقترب من قُصي ثم أردف وهو يوجه مُسدسه ناحية الباب

-رغم إني هخسر كتير..بس هخلص منكوا أنتوا الأتنين مرة واحدة..مش هيقدر يقف كتير بـ رجالته قدام رجالتي
-تحدث قُصي بـ هدوء:متستألش بيه…

على الرغم كون قُصي غيرُ مُسلح إلا أنه كان قد بدأ بـ إيجاد بعض الثغرات التي ستقلب الوضع إلى مصلحته هو وأرسلان ولكنه قرر إستخدامها بـ الوقت الصحيح تجنبًا لخسائر الأرواح

وبـ الأسفل

كانت المعركة لا تزال مُشتعلة بين الطرفي و وضع أرسلان لم يكن يُبشر بـ الخير أبدًا نظرًا لقلة عدد رجاله وعدم إستعدادهِ الخاص لتلك الحالة الطارئة..سيذهب كل ما فعله هباءًا إذا مات قُصي

كان يتنفس سريعًا و بـ قوة مُختبًا خلف أحد حوائط الشركة يعد ما معه من ذخيرة وتحليل الوضع وإيجاد ثغرات تُمكنه من النجاة..نظر إلى تلك المرآة المُحطمة والتي تعكس ما خلف الحائط فـ كشفت له عن أماكن تواجد عدد قليل من رجال نزار 

أخذ أرسلان نفسًا عميق ثم نظر إلى المقعد الذي أمامه..ليدفعه بـ قدمه بـ أحد الإتجاهات فـ فورًا إنطلقت الرصاصات بـ إتجاه المقعد ليخرج هو بـ الإتجاه المُعاكس ثم صوب مسدسه ناحية رجلين ليرديهما قتيلين ثم عاد يختبئ بـ مكانٍ آخر

أخرج عدة أنفاس من فمهِ بسرعة ليسمع صوت أحد رجاله يقول بـ صوتٍ عال

-إطلع أنت لقُصي باشا..إحنا هنتكفل بـ الوضع هنا..في رجالة جاية بعد ربع ساعة بـ الظبط…

إرتفع أرسلان قليلًا بـ جسدهِ خلف الطاولة المُختبئ خلفها ليبحث عن مخرج يُمكنه من تفادي الوضع..حتى وجد مخرج نسبة خروجه منه لا تتخطى العشر بـ المئة..هدر أرسلان بـ صوتٍ مُتهدج إثر المجهود الذي يبذله

-أمنولي الطريق…

إنطلقت عدة رصاصات ليستغل أرسلان ذلك الوضع ليقفز من مخبأه ثم تحرك بـ إتجاه المخرج وسط النيران التي تمكن من تفاديها بـ صعوبة بالغة 

وقبل أن يصعد الدرج إعترض طريقه أحد الرجال الذي كاد أن يقتل أرسلان ولكن سُرعة إنتباهه جعلت يده تتحرك وترفع يد الآخر ليلكمه بـ قوة بـ أضلعه

تراجع الرجل وكاد أن يطلق عليه مرةً أُخرى ولكن أرسلان إندفع سريعًا ودفعه إلى الخلف ليسقط وهو يسقط فوقه..كال له اللكمات التي تفادى مُعظمها والمُعظم الآخر تلقاه بـ قوة

أخرج الرجل سكينًا كان مُخبئًا بـ ساقهِ ليطعن أرسلان بـ كتفه..تأوه أرسلان بـ ألم ثم إبتعد عنه..نزع السكين الصغير وأمسكه بـ يدهِ..ومعالمه مُتقلصة بـ غضب و قسوة

إقترب الرجل منه وكلما حاول لكم أرسلان تفاداها بـ مهارة حتى تمكن من مُهاجمتهِ وطعنهِ بـ السكين بـ رقبته

نزعها منه ثم صعد درجات السُلم غيرُ آبهه لنزيف جرحه

ونزار يقف على أتم الإستعداد أن يدلف أرسلان و يقتله غافلًا عن قُصي أو تناسى وجوده من الأساس فـ كل ما سيطر عليه بـ تلك اللحظة هو قتله لأرسلان

قُصي على أهُبة الإستعداد لتلك الفُرصة الوحيدة التي ستُمكنهم من النجاة

نزار ينتظر تلك الفُرصة ليقتل أرسلان ويتخلص منه نهائيًا

أرسلان يتحرك بسرعة لإنقاذ قُصي

والثلاثة ينتظروا جميعًا تلك الفُرصة التي ستُمكنهم من القضاء على الآخر 

*************************************

وضع أرسلان يده على مقبض الباب ليجده مُغلق..تراجع إلى الخلف ثم إندفع لكي يدفعه

وبـ تلك اللحظة التي سمع بها نزار صوت المقبص يتحرك إبتسم بـ شيطانية هامسًا

-أخيرًا هخلص منك…

ولكن قُصي الذي تناسى وجوده نهض لينقض عليه فـسقطا معًا لنتطلق الرصاصة مُصيبة الحائط بـ ذات الوقت الذي دلف به أرسلان

أمسك قُصي يد نزار المُمسكة لـ المُسدس وحاول إنتزاعهِ منه..ليُزمجر الثاني بـ غضب ثم بـ ساقهِ دفع قُصي مُسقطًا إياه فوق الأرض

حينها تقدم أرسلان منه سريعًا غير سامحًا له بـ قتل قُصي..وقام بـ لكمه ثم أمسك يده نازعًا منها المُسدس ثم قذفه بـ إتجاه قُصي..الذي إلتقطه سريعًا و صوب ناحية ذلك الرجل الذي كاد أن يقتل أرسلان

-مش هتخرجوا من هنا عايشين
-دفعه أرسلان هادرًا بـ صوتٍ مُخيف:أنت اللي مس هتعيش دقيقة واحدة..حياتك وقفت لحد هنا…

مسح نزار فمه وإبتسم بـ خُبث ثم إنقض على أرسلان الذي باغته بـ طعنه بـ السكين الذي معه بـ كتفهِ الأيسر ليتأوه الأول مُبتعدًا عنه

تقدم أرسلان منه ثم نظر إلى قُصي الذي تحرك بـ إتجاه الباب وقال بـ جمود

-أمن المكان كويس…

أومأ قُصي وكل من يقترب من تلك الغُرفة كان يقتله دون التفكير مرتين..وأرسلان بـ الداخل يقترب من نزار الواقع أرضًا ثم همس بـ فحيح

-نهايتك كانت المفروض من نص ساعة فاتت..لكن ربنا كتابهالك تعيشها…

إبتسم نزار وهو يُِمسك كتفه ثم أردف بـ خُبث ينم عما يُخبئه خلف إبتسامته

-كاتبلنا يا شيطان…

إسودت عيني أرسلان بـ غضب ليقوم بـ لكمهِ بـ قدر الغضب الذي يختزنه..بـ قدر القسوة والإنتقام الذي عاشاهما..بـ قدر سبع سنوات عانى فيهن الكوابيس المُزعجة ومُعايشة تلك الليلة الجحيمية أكثر من مرة

إلتقطت أُذن قُصي صوتًا غريب قريب منه ليتقدم إتجاه صوت حتى وصل إلى مكتب المُساعدة..بحث حتى وجد أسفله قُنبلة صغيرة ضُبط وقت إنفجارها بعد ثلاث دقائق من الآن

إتسعت عيني قُصي الذي نهض سريعًا ثم إتجه إلى الغُرفة وأمسك أرسلان دافعًا إياه بعيدًا..كاد أن يلكمه ولكنه هدر بـ صوتٍ جهوري

-يلا مفيش وقت..لازم نخرج من هنا
– مش هخرج إلا لما أقتله
-هدر قُصي:بقولك هنموت..فيه قُنبلة هتنفجر كمان تلات دقايق…

كان نزار يضحك بـ قوة فـ عندما تم إغلاق هذه الغُرفة عليهما أمر المُساعدة أن تُخبر أحد رجاله بـ وضع تلك القُنبلة بـ مكتبها ثم تُخلي الشركة من جميع الموظفين

كاد أن ينهض ولكن قُصي صوب إلى ساقه فـ سقط متأوهًا..سحب أرسلان ثم قال وهما يتجهان إلى الخارج

-كدا كدا الشركة هتنفجر بيه..يلاااا…

نظر أرسلان إلى نزار نظرات سوداء ، مُخيفة قبل أن يختفي ويركض مع قُصي الذي يقتل كل من يعترض طريقه

حينما خرجا من الشركة بعد ثوان إنفجرت الشركة مُطيحة بهما أرضًا

النيران والأدخنة السوداء المُتصاعدة لم تُماثل نيرانه أو سواد روحه..كم تمنى تلك اللحظة أن يُنهي إنتقامه ويحصل على الحرية..أن تحصل روحه على الحُرية..ولكن بـ تلك اللحظة لم يشعى سوى بـ فراغ..فراغ كبير لا يعلم سره

وضع قُصي المُصاب إثر إطاحته أرضًا يده على كتف أرسلان وأدرف بـ خفوت

-خلاص كل حاجة خلصت يا أرسلان
-إلتفت إليه وقال بـ نبرةٍ خاوية:تفتكر!
-تنهد قُصي وقال:يلا نمشي عشان البوليس هيكون هنا كمان عسر دقايق…

رمق حُطام الشركة والنيران نظرةً أخيرة أكثر سوادًا و حقدًا ثم إتجه إلى سيارتهِ وصعد معه قُصي

************************************

-كُنت بتعمل إيه عند نزار!…

تساءل أرسلان بـ جفاء دون النظر إلى قُصي فـ أجابه بـ بعد تنهيدة طويلة

-مش لوحدك على فكرة اللي كنت عاوز تنتقم
-إبتسم أرسلان من زاوية فمه بـ سخريةٍ قائلًا:ولما تقرر تتحرك تبوظلي كل حاجة بعملها صح!…

نظر إلى قُصي بـ هدوء ثم عاد ينظر أمامه قائلًا وهو يمسح خيط الدماء المنسل فوق حاجبهِ

-مكنتش أعرف إنك هتعمل كدا
-وأديك عرفت وباظت الدنيا
-حك قُصي جبهته وقال:نزار مات والحكاية إنتهت يا أرسلان…

إلتفت إليه أرسلان بـ رأسهِ ثم قال بـ سُخرية لاذعة

-أول مرة أسمعك بتنادني بـ اسمي
-إلتوى فك قُصي ثم قال بـ هدوء:مش أنت اسمك أرسلان ولا إيه!
-إبتسم أرسلان وقال:عندك حق…

ساد الصمت لعدة لحظات قبل أن يقطعه قُصي مُتساءلًا

-مش هتروح المُستشفى عشان جرحك دا!
-مكنتش أعرف إنك ظابط غبي
-صر قُصي على أسنانهِ وقال:أنا غلطان..نزلني هنا…

توقف أرسلان بـ سيارتهِ أمام البناية التي يقطن بها قُصي والذب هتف قبل أن يهبط

-أنا إتجوزت 
-رد عليه أرسلان دون أن ينظر إليه بـ جمود:مبروك…

حرك قُصي رأسه بـ يأس ثم ترجل ليقول قبل أن يترجل من السيارة

-خُد بالك من الطريق
-نظر إليه أرسلان بـ سُخرية وأردف:يا حنين…

ضحك قُصي مُحركًا رأسه بـ يأس مرةً أُخرى ثم هبط وقبل أن يرحل إنحنى إلى النافذة ثم إبتسم رادفًا

-شكرًا
-أدار أرسلان المُحرك ورد دون أن ينظر إليه:عفوًا…

إبتعد قُصي ليتحرك أرسلان بـ السيارة عائدًا إلى حيث سديم

***********************************

عضت سديم أظافرها قلقًا فـ قد تأخر أرسلان كثيرًا وخروجه لم يكن طبيعيًا مما أكد لها حدوث شيئًا خطير

وضعت ذلك المئزر الصوفي فوق جسدها وضمته إلى صدرها تسمتد منه الدفء حتى سمعت صوت مكابح سيارة تصطف أمام المنزل

دون تفكير إتجهت ناحية الباب وفتحته سريعًا وبـ لهفة ترقبت قدومه إليها ولكنها شهقت بـ ذعر مُتراجعة وهي تجد ثيابه المُمزقة وبعض الجروح الطفيفة التي تُغطي وجهه بـ الإضافة إلى بُقعة الدماء التي تحتل مساحة لا بأس بها على قميصهِ

دلف أرسلان و وقف على أعتاب المنزل مُحدقًا بـ سديم المذهولة أمامه وهي تُحدق بـ معالمهِ المجروحة بـ عينين ذاهلتين مُتسعتين

إبتسم بـ سُخرية ثم تقدم وأغلق الباب هاتفًا 

-إيه أول مرة تشوفي حد متعور يعني!…

إزداد إتساع عيني سديم فـ بدت على وشك الإستدارة ليقترب أرسلان أكثر منها وهي غيرُ قادرة على الحركة وكأن قدميها تيبستان بـ مكانها..ليدنو من أُذنها ويهمس

-تعرفي إن شكلك كدا جميل…

رفت بـ عينيها عدة مرات قبل أن تبتعد وتُحمحم قائلة وهى تُدير وجهها بعيدًا عنه

-إيه اللي حصل!
-وضع يديه بـ جيبي بنطاله وقال:عملية إنقاذ
-زمت شفتيها بـ حنق وقالت:بتكلم جد
-رفع منكبيه وقال:ومين قالك إني بهزر!…

تركها ثم إتجه إلى الأريكة وإرتمى عليها مُتأوهًا وبدأ بـ نزع قميصه المُلطخ بـ دماءهِ..لينظر إلى الجرح مُتأففًا بـ ضيق وأرجع رأسه بعدها إلى الخلف مُغمض العينين

تقدمت منه سديم وبقت تُحدق به وبـ ذلك الجرح بـ توتر قبل أن تتساءل بعد فترةً من التردد

-فين علبة الإسعافات!
-أجاب دون أن يفتح عينيه:فـ الحمام…

إتجهت إلى المرحاض وجلبت صندوق الإسعافات وجلست فوق الأريكة جواره وبدأت بـ فحص الجرح لتقول بـ جدية بها بعض القلق

-الجرح عميق
-أجاب دون مُبالاة:مش أنتِ جراحة!..إتصرفي بـ اللي معاكِ
-مسحت على جبهتها بـ توتر:أنا بتكلم إنك مش هتقدر تستحمل الوجع..دي جراحة مش تخيط جرح…

نهضت سديم ليتمدد أرسلان فوق الأريكة هامسًا وهو مُغمض العينين

-كدا كدا هيغمى عليا عشان نزفت كتير..شوفي وشي ولما تحسي إني نمت إبدأي فـ كتفِ…

أبتلعت ريقها بـ توتر..يداها ترتعشان بـ وضوح..على الرغم أنها طبيبة جراحة وأنها لا تخشى الدماء وما خاضته من جراحات صعبة إلا أنه غير كل ما سبق..أمامها أرسلان وهي على وشك إجراء جراحة دون تخدير

نهضت لتعقيم الأدوات ثم غسلت يديها جيدًا وعادت لتجد يده الموضوعة فوق رأسهِ قد سقطت خارج الأريكة فـ علمت أنه فَقَدَ الوعي..لذلك أسرعت بـ إرتداء قُفازات وجدتها بـ خزانة المطبخ ولم تنسى غسلهِ جيدًا ثم شرعت بـ إجراء الجراحة

ساعات مرت وكانت أكثر الساعات صعوبة بـ حياتها..لم تكن تعلم أنها ستمر بـ تلك اللحظات أبدًا

مسحت حبات العرق عن جبينها على الرغم من برودة الطقس..إلا أن تلك الساعات والضغط الواقع عليها قد جعل من المكان وكأنها بـ داخل أحد الأفران

مسحت الدماء عن جسدهِ وعلى الرغم من طول المُدة إلا أنه لم يفق أبدًا..فـ أثار ذلك هلعها ولكن تنفسه كان إلى حدًا ما مُنتظم ومعالمه تتقلص بـ ألم من حين إلى الآخر

نهضت تجذب قطعة قُماشية نظيفة و بللتها بـ مياه دافئة ثم عادت إليه وبدأت المسح على جسدهِ وتنظيفه ثم وضعتها جوارها وجلبت من الغُرفة ثياب نظيفة وألبسته إياها بـ صعوبة بالغة

وضعت الغطاء عليه وأحكمته حوله وظلت جاثية جواره تُحدق بـ ملامحهِ التي يظهر عليها و لأول مرة الإرهاق والألم..ولم تعرف لما آلمها قلبها عليه..عهده قاسي ومتحجر القلب ، لا يظهر عليه لا الألم أو التعب..ولكن اليوم رأته شخصًا عاديًا يتعب ويمرض فـ هو ليس بـ خارق

ضحكت سديم لتمسح على جبينهِ بـ رقة ثم خللت أصابعها الطويلة خُصلاته الفحمية هامسة بـ إبتسامة

-مطلعتش خارق و بـ تتعب زينا…

توقفت يدها عن تمليس خُصلاته ثم همست مُتساءلة وهي تشرد بـ نظراتها بعيدًا

-يا ترى إيه اللي حصل!…

تنهدت تنهيدة مُطولة ثم بدأت بـ لملمة ما حولها من قُطن ملوث بـ الدماء والضماد الطبي و وضعتهم بـ حقيبة بلاستيكية سوداء لتخرج بعدها إلى الخارج واضعة إياه بـ جوار المنزل

عادت تدلف لتتجه إلى المرحاض تنعم بـ حمامٍ دافئ وأبدلت ثيابها ثم عادت إليه..وضعت وسادة كبيرة فوق الأرضية وجلست هي فوقها

وضعت يدها على جبينهِ تتحس حرارته فـ وجدتها عادية..أطلقت زفيرًا بـ راحة و ظلت تُراقبه إلى أن غلبها النُعاس فـ قد أُنهكت قواها مُنذ قليل

أراحت رأسها فوق ذراعهِ رُغمًا عنها وغطت في سُباتٍ عميق

أما هو ما أن أحس بـ إنتظام أنفاسها حتى فتح عينيه وعلى الرغم من ذلك الألم إلا أنه أجبر نفسه على النهوض والحرص على مُراقبتها

كانت هادئة ، مُستكينة وخُصلاتها تُغطي ملامحها ليُبعدها عن وجهها فـ ظهر..كان مُرهقًا ، أصفر اللون يدها تتمسك بـ شدة بـ الغطاء وكأنه حبل نجاتها

وضع يده فوق إصابته لذلك الألم الذي داهمه ثم إعتدل بـ جلستهِ لتتململ هي بـ إنزعاج دون أن تصحو..ليُحيط خصرها ورفعها بـ خفة عن الأرض 

تمدد جواره فوق الأريكة ليجذب الغطاء فوقهما ثم أراح رأسها فوق كتفه السليم ليُداعب خُصلاتها البُنية بـ شرود هامسًا وعيناه السوداء تنظر إلى أعلى

-أنتِ بقيتي خطر عليا…

الفصل التاسع والعشرون والثلاثون من هنا 


في نهاية مقال رواية ملكة علي عرش الشيطان الفصل السابع والعشرون 27 والثامن والعشرون 28 بقلم اسراء علي نختم معكم عبر بليري برس

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى