روايات
رواية وصمات بالجمله كاملة حتي الفصل الأخير بقلم رحمه سيد
من خلال موقع بليري برس تستعرض معكم في هذا المقال ،رواية وصمات بالجمله كاملة حتي الفصل الأخير بقلم رحمه سيد ، لمزيد من التفاصيل حول المقال تابع القراءة
(الفصل الاول)
وصل ” عمار ” أمام منزل “حماته” في ذلك الحي الشعبي البسيط الذي تقطن به، ليقل زوجته إلى منزله لينعم بدفء عناقها بعد يوم عمل طويل وشاق، مسح جبينه المتعرق بسبب حرارة الجو، ثم طرق طرقتان على الباب ولكنه تذكر ربما تكون حماته نائمة الان، فبدا مترددًا للحظة ولكن قطع أفكاره صوت حماته العالي وهي تصيح بإنفعال واضح:
-يعني عايزه تعملي إيه يا جنة؟ عايزه تقوليله قوليله.
سمع صوت زوجته المتحشرج بعبرات خنقت حروفها وهي تخرج متقطعة عالية توازي صراخ والدتها:
-ياريتني عارفة، أنا تعبت وإتخنقت من العيشة دي، كل يوم وأنا نايمة في حضنه ضميري بيجلدني بالذنب.
فرفعت والدتها حاجبها الأيسر باستنكار واضح:
-يعني ضميرك هيرتاح لما تعرفيه وتفضحي نفسك.
فهزت “جنة” كتفاها معًا بقلة حيلة مع تمتمة لم يسمعها عمار:
-يمكن.
كانت تشعر أنها غريقة.. غريقة وسط تلك الأمواج الغادرة من الدنيا وتحاول الوصول لبر الأمان ولكن الضباب لا يكف عن مهاجمة طريقها…!!
فسألتها والدتها باستنكار أكبر وقد تشنجت أحبالها الصوتية مع تشنج كل خلية بجسدها فارتفع صوتها دون أن تشعر:
-هترتاحي لما تعرفيه إنك عملتي عملية ترقيع قبل ما تتجوزيه يا جنة؟ مسألتيش نفسك يا ترى رد فعله إيه لو عرف؟! هياخدك في حضنه ويطبطب عليكي؟ .
فهزت جنة رأسها نافية بسرعة، هي فقط تريد النجاة من الغرق بين أمواج الذنب.. ولا يهم ما الطريق الذي ستكتنفه حينما تنجو من ذلك الغرق والضباب..!
ثم تابعت بصوت هيستيري وهي تضرب جسدها بعشوائية:
-مش هيطبطب عليا بس هرتاح، أنا تعبت يا ماما ومبقتش قادرة أكتم أكتر، تعبت والله ومش عارفة أنسى طول منا فاكره إني كدبت عليه كدبة زي دي.
بينما في الخارج تجمد عمار مكانه للحظات وكأنه فقد قدراته العقلية فجأة فلم يترجم عقله تلك الحروف التي ألقيت على مسامعه..!
صغيرته… زوجته.. حب صباه الوحيد، جنته على الأرض وملاذه الوحيد من كل همومه…. تخدعه بتلك الطريقة..!؟
يشعر أنها غرزت بقلبه للتو وتد غليظ قاسٍ فتوقفت نبضاته للحظات مع ارتفاع حرارة جسده في نفس لحظة استيعاب عقله لما سمعه وإندفع الغضب إلى اوردته كالحمم البركانية وهو يدرك أنها كانت لآخر قبله… امتلكها آخر ونال حقه فيها قبله….!
طرق على الباب بعنف وجنون وقد بدا كالطور الهائج لا يرى سوى اللون الأحمر، فتحت حماته الباب بفزع تسأل في قلق جلي خشيةً أن يكون سمعهما في غفلة منهما:
-في إيه يا عمار مالك؟
دلف للمنزل دون أن ينطق بكلمة وقد كانت ملامحه غنية عن أي حروف بلهاء في تلك اللحظة لتخبرها أنه بالفعل سمعهما، وما إن رأى “جنة” التي كانت ملامحها البيضاء حمراء من البكاء تحدق به بارتياع وقلق، قبض على ذراعها بعنف وسحبها نحو الخارج ليغادر…
فحاولت حماته ” سُمية” إيقافه وهي تردد دون توقف:
-أستنى بس يا عمار بالله عليك اهدى واقعد مش كده.
ولكنه كان كالأصم.. لا يرى.. لا يسمع.. لا يتكلم حتى… فقط ذلك الحريق الضاري يشتعل بكل إنش به…. بينما جنة تبكي بحسرة وخوف في آنٍ واحد وكأنها فقدت القدرة على إيقاف سيل دموعها.
دفعها في سيارة الأجرة دفعًا لتركب السيارة ثم تبعها هو بصمت تام لا يخلو من نشيجها المكتوم، بينما هو يشعر كما لو أن فقاقيع من الغضب الأسود تغلي أسفل جلده والشيطان ينفث في لهيبها لتزداد اشتعالًا وضراوة، وشعور مقيت بالغدر يستوطن كافة جوارحه…
وهي تبكي بقلة حيلة، وكأنها زرعت نبتة فاسدة في أرض خضبة وظنت أنها نجحت.. ولكنها الآن أكتشفت أنها ستجني فساد تلك النبتة التي تنضح بالقيح دون دراية او عمد منها..!
بعد قليل وصلوا لمنزلهم والذي كان على بُعد شوارع معدودة، صعد هو اولًا وسحبها خلفه، حتى وصلوا أمام باب منزلهم، ففتح هو الباب ودفعها للداخل وهو يغلق الباب خلفه بعنف، استدار لها لتبتلع هي ريقها بتوتر من وسط بكائها، ثم بدأ يقترب منها ببطء وهي تعود للخلف بخوف أكبر خصوصًا حينما خرج صوته أجشًا بهسيس مرعب:
-اديني سبب واحد يخليني مامسكيش دلوقتي أرنك علقة لحد ما يظهرلك صاحب.
فهزت هي رأسها نافية بسرعة وبصوت لاهث أثر البكاء:
-لا يا عمار مينفعش تظلمني بالطريقة دي، لازم تسمعني وتفهم الأول.
حينها ودون سابق إنذار تناثرت قشرة الجمود التي كانت تغلف ملامحه لينبثق الغضب منها كبركان ثائر طال غليانه في القاع، ثم زمجر بجنون:
-أسمع إيه، أسمع إن مراتي المحترمة المتربية اللي أختارت أديها أسمي وأثق فيها من بين كل البنات اللي شوفتهم طلعت عامله عملية ترقيع قبل ما تتجوزني ومستغفلاني.
ازدادت شهقات جنة حدة وهي تهز رأسها بقوة أكبر وكأنها تحارب تلك الوصمات التي تلتصق بها كالعلقة:
-لأ، بالله عليك متقولش كده.
اقترب منها أكثر لتعود هي للخلف بتلقائية، ثم سألها بخشونة وعصبية مفرطة:
-حصل ولا محصلش اللي سمعته؟
إرتجفت شفتا جنة في قهر دفين، وتلك الأجابة ترفض الإنصياع للعقل والخروج…
ليصيح عمار بإنفعال أوشك على الإنفلات تمامًا:
-انطقي حصل ولا محصلش؟
فهزت جنة رأسها موافقة على مضض وبصوت ضعيف:
-حصل.
بلحظة كان شبه مُلتصق بها يود لو يفتك بها ويطفئ غليله منها متجاهلًا كل الإنذارات ضعيفة المرأى لعقله حاليًا، ثم ضرب على الحائط جوارها بغل وهو يصرخ فيها:
-يبقى أفهم إيه، أفهم إيه أكتر من اللي فهمته.
ضمت جنة جسدها لها وهي تحيط نفسها بذراعيها وكأنها تبحث عن مسرى للثبات الذي فر فرًا من بين خلاياها، ثم نطقت أخيرًا بصوت مكتوم باكٍ والقهرة تفوح منه:
-حصل بس غصب عني، والله العظيم غصب عني يا عمار.
للحظات تحجر كل إنش بـ عمار وهو يستمع لتصريحها الذي لن ينكر؛ هدئ قليلًا.. قليلًا فقط من السعير الذي يكوي أعماقه بمجرد تخيله أنها مجرد…. ساقطة تفرط بجسدها بسهولة لأي قذر تحركه شهوته !..
ولكن لازالت روحه تتلوى هناك على جمر الغضب والاحتراق بالغيرة، بذلك الشعور المميت أن أحدهم سرق حقه فيها…. حقه وحده!
ثم سألها بصوت بدا لها غريبًا، غاضب ولكنه مكتوم.. مكسور! :
-مين؟ وأمتى ده حصل؟!
حاولت إبتلاع تلك المرارة التي إستقرت بجوفها، والذكريات تتسرب لعقلها كـ سمٍ سريع الإنتشار، ثم تابعت بوهن وحروف متقطعة:
-من…. خمس سنين لما كان عندي ١٥ سنة، ومحدش يعرف غير ماما، حتى بابا ميعرفش، قبل جوازي منك بشهور هي اللي أخدتني وعملتلي العملية دي.
ثم رفعت بُنيتاها المغطتان بالدموع اللامعة، وبنظرة تلك الطفلة المُنكسرة كزهرة اقتطفت من بستانها قبل أن تنضب، قالت:
-عشان تداري الفضيحة والعار، وعشان محدش يتهمني إتهام قذر زي اللي أنت كنت بتلمح بيه من ثواني.
-مين ال**** اللي عمل كده؟
حينها عضت جنة على شفتاها بعنف وكأنها تكبح زمام الحروف التي تود أن تنفرج من بين شفتاها، ليتها تستطيع الإجابة ولكن لا، لن تستطيع… لن تستطيع إخباره!
فأمسكها عمار من ذراعاها بعنف ضاغطًا عليهم وهو يهزها بقوة وبلهجة عنيفة كهيئته الفوضاوية الان كرر سؤاله على مسامعها بإلحاح أشد:
-إنطقي يا جنة مين اللي عمل كده؟
فهزت هي رأسها نافية وردت بنفس النبرة الباكية:
-مش هينفع، مش هينفع أقول صدقني.
إصرارها على عدم إخباره حرر الشياطين التي كان يحاول تكبيلها بشق الأنفس، فلم يشعر بنفسه وهو يرفع يده ليهبط على وجنتها بصفعة عنيفة أحرقت روحها كما أحرقت وجنتها لتشهق هي بعنف وفزع إثرها..!
فيما عض هو بعنف على باطن يده في قهر، وشعور مقيت بالعجز يشل أطرافه، يحاول تحجيم شياطينه حتى لا ينقض عليها يُخرج منها الاجابات التي يريد بالطريقة التي يريد في تلك اللحظة والتي لن تكون رقيقة او سهلة ابدًا….
فرفعها عن الأرض بعنف فجأة لتحدق فيه هي بهلع ثم ضغط على ذراعاها حتى تأوهت بألم خافت، وهو يزمجر فيها بهيستيرية:
-غصب عنك او بمزاجك هعرف هو مين وهشرب من دمه.
وعند نطق كلمته الأخيرة زاد هزها لرأسها بالرفض ودموعها تنهمر كالشلال على وجنتاها دون توقف… لن تستطيع المخاطرة ابدًا، إن فعلت وأخبرته ستقوم قيامتهم جميعًا.. فغمغمت بسرعة علها تستطع إقناعه بما لا تقتنع به هي نفسها:
-حتى لو عرفت مفيش حاجة هتتغير، مش هتقدر تغير اللي حصل من خمس سنين.
تركها للحظات يدور حول نفسه كالليث الحبيس، سيجن… سيجن حتمًا لو لم يعلم مَن ذاك اللعين ويعاقبه بنفسه عقاب يُرضي الوحش المهتاج داخله مجروح الرجولة والقلب…!
فاقتربت هي منه ببطء تنوي إحاطة وجهه بكفيها في توسل صامت علها تسحب شظايا الغضب من بين ثنايا روحه، ولكنه بلحظة إنتفض مبتعدًا عنها وهو يدفع يدها بعيدًا عنه في عنف، يحذرها بخشونة ونبرة مهتاجة:
-متحاوليش تلمسيني دلوقتي عشان مش ضامن رد فعلي ولو لمستك مش هاسيب حتة فيكي سليمة.
إنتفضت هي متراجعة للخلف في قلق جلي، لم يكن يومًا عمار عنيف بهذا الشكل من قبل، ولكنها هي مَن أسقطته بنفسها بين كماشتي الجنون والغضب..!
اقترب هو منها وهي تبتعد بتوجس حتى أصبح على بُعد إنش واحد منها، وجهه أمام وجهها مباشرةً وأنفاسه السريعة من الإنفعال كاللهب تلفح وجهها الأبيض الذي زاد شحوبه حينما استطرد بخفوت حاد مُرعب:
-لأ هغير، هطفي النار اللي جوايا وهاخد حقي.
كانت دقاتها عالية وكأنها في سباق خطير، والذعر يفرض سيطرته على كل خلاياها منه.. ومن القادم!، فهمست له بوهن كقطة وديعة تتوسله الترفق بها:
-متخوفنيش منك يا عمار بالله عليك.
-لأ خافي، وخافي أوي كمان، أنتي مشوفتيش غير عمار الحنين الطيب اللي كان بيعاملك كأنك بنته مش مراته، مشوفتيش عمار لما لما يتجنن بيبقى عامل ازاي.
ثم صمت دقيقة وكأن عقله قرر التدخل في تلك اللحظة ليتذكر أنه كان خلف جنة كظلها، لم يكن يدعها تغفل عن عيناه ابدًا إلا وهو يعلم أين هي ومع مَن…. وتلك الذكرى من العقل حسمت تفكيره في هوة خطيرة… جدًا !
فأمسك فجأة مؤخرة رأسها بقوة يجذب رأسها نحوه وهو يسألها بهذيان والجنون يعصف به:
-اللي عمل كده حد من العيلة صح؟
لمعت عيناها بارتجافة ظهرت لعيناه المترصدة لأي رد فعل منها، فتابع بتلهف لأي طرف خيط ودون حساب لكلماته:
-أخويا؟ او اخوكي؟
فسارعت هي تهز رأسها بسرعة نافية في ذهول افترش على قسماتها وبإستنكار أجابت:
-لا طبعًا أنت مجنون أنت بتقول إيه!
فصرخ فيها بصوت عالي حاد:
-امال ميييين، أنا هاتجنن فعلًا وهاوريكي إيه هو الجنون الحقيقي لو معرفتش هو مين.
فضيقت هي عيناها في قلة حيلة تهمس له بنبرة لملمت شتات حروفها بصعوبة:
-أرجوك يا عمار أفهمني أنا آآ…..
ولكنه قاطعها حين استدار ليفتح الدولاب ويُخرج منه ملابسها بعشوائية في حقيبة سفر، جازًا على أسنانه يُجاهد نفسه حتى لا يُخرج كل غله وغضبه فيها، فسألته هي بغباء وكأنها لا تستوعب:
-أنت بتعمل إيه؟
لتشهق متفاجئة حينما ألقى بالحقيبة عند أقدامها وهو يخبرها بصوت جامد قاسٍ:
-روحي عند أهلك، مش عايز أشوف وشك إلا بعد ٣ ايام تحسبيها كويس وتيجي وتقوليلي مين ال**** اللي عمل كده.
ثم تحرك ليخرج من الغرفة ثم المنزل بأكمله صافعًا الباب خلفه بعنف تاركًا إياها تحدق في أثره بذهول…. وداخلها سؤال يصدح وبقوة… متى إنهارت حياتها بهذا الشكل فجأة بعدما ظنت أنها أجادت بناءها فوق رماد الماضي..!؟
****
مر الوقت وهي كما هي تجلس على فراشها في الغرفة بصمت، وحيدة لا تواسيها سوى دموعها التي لم تتوقف عن الإنهمار وكأنها فقدت القدرة على السيطرة على غددها الدمعية.
والذكريات لا ترحمها فتتماوج بعقلها وتزيد من حسرتها على تلك الأيام الرائعة التي فتحت أحضانها لها بالورود حتى ظنت أن الحزن لن يعرف لها طريق ابدًا مادامت بين أحضان “عمار” …..
“يوم زفافهم”…
ما إن أنتهى كلاهما من تغيير ملابسهما كروتيين معتاد في هذا اليوم، وقفت هي أمامه تفرك أصابعها بتوتر جلي مُضاعف فوق قدرتها على الإحتمال..
ليقترب هو منها ببطء حتى وقف أمامها، ودون مقدمات كان يجذبها لأحضانه، يغمرها كليًا بذراعاه التي أحاطتها من الجانبان وكأنها ستفر هاربة منه، مقربًا وجهه من خصلاتها البُنية التي يراها للمرة الأولى.. سامحًا لعبق رائحتها الذي لطالما كان يُلهب أعماقه بشعور لم يجربه سوى معها أن يخترق أنفه فيسكره بشعور جديد… شعور أنه في الجنة…. لا يستطع وصف شعوره وهي بين أحضانه سوى بهذا..
بينما هي كانت تتخبط بين أحضانه بتوتر، تخوض شعور جديد عليها كليًا، لطالما حلمت بحضنه ولكن لم تتخيله بهذا الدفء قط.
بعد دقائق أبعدها عمار عن حضنه ببطء، يرفع وجهها لتنظر إليه على استحياء والحمرة تزحف لوجنتاها دون ارادة منها، ويداها تتابع عملها في فرك أصابعها دون توقف..
فأمسك يداها برفق وكأنها قطعة ماسية يخشى خدشها، ثم قبل باطن كفها بعمق جعلها ترتجف بخفة، وعيناه السوداء العميقة تجد ملاذها بين عيناها البُنية اللامعة كالأطفال، ثم تابع فطبع قبلة أخرى على ظاهر يدها، ليترك يدها ويُقرب رأسها من فمه فتنال قمة رأسها نصيبها من قبلاته الدافئة الحانية.
وقطع الصمت صوته الأجش الدافئ الذي سقط على أذنها كسمفونية رائعة:
-مبروك عليا إنتي يا جنتي، ربنا يباركلي فيكي ويجعلي نصيب إنك تفضلي في حضني وماتبعديش عني أبدًا لحد ما أموت.
أسبلت جنة جفناها بذهول لا تصدق أنها وأخيرًا تسمع كلمات الغزل من عمار… عمار الفظ الجامد الذي كانت تشعر احيانًا أنه يكرهها، كلماته تسربت لمنابت روحها لتروي جفافها بعد غياب..
فالتوت شفتاها هامسة بأسمه في ذهول:
-عمار…
فأحاط وجهها بين يداه الخشنة، هامسًا ولوعة العشق تشتعل بين ثناياه:
-قلب عمار وروح عمار اللي كانت غايبه عنه.
نبضاتها تعلو أكثر فأكثر وهي تهمس له بصوت عذب خجول:
-أنا؟ أنت آآ….. ماتجوزتنيش يعني عشان بنت عمك وواحدة مناسبة وكده بس.
فبدأت اصابعه الخشنة تتحرك ببطء ونعومة فوق قسمات وجهها لتزيد من ربكتها، وصوته الأجش يأتيها كسيلان عاطفي تتعرض له للمرة الأولى وهو يقول:
-لما حسيت ناحيتك بحاجة، قولت مش هينفع، هي صغيرة ليه تظلمها معاك وأكيد هيبقى قدامها فرص كتير أحسن منك، ودماغها لسه طفولية شوية وأنت كبير وناضج ودماغك غيرها ومش هتنفعوا مع بعض، بس غصب عني مشاعري كانت بتزيد ناحيتك يوم بعد يوم وانا شايفك زي الوردة اللي عماله تفتح قدامي يوم بعد يوم، لحد ما أمي اقترحتك عليا وهي بتدورلي على عروسة، ساعتها قلبي دق اوي وقولت معقول تكون هي نصيبي الحلو من الدنيا ومتشالي؟ ، وبصراحة كده ما صدقت وروحت اتقدمتلك، وقررت ماحرمش نفسي من الجنة، واتخطبنا بس قررت ماصارحكيش بمشاعري غير وانتي مراتي عشان مش ضامن رد فعلي بعد ما أعمل كده وعشان ربنا يباركلنا.
ربااااه… شعرت بنغزة قوية تستقر بين جنبات صدرها وهي تفكر.. هل كان يراها بهذا الكمال لدرجة أن يبخل على نفسه بها، وهي التي تخدعه بتلك الطريقة؟!…
فهمست كطفلة غبية لا تستوعب ولا تفهم سوى حروف صريحة واهية أمام ذلك الطوفان من العاطفة:
-أنت بتحبني بجد يا عمار؟
قرب وجهها من وجهه أكثر… وأنفاسه العالية تُلهب وجهها الذي أصبح كحبة فراولة طازجة، ثم همس بصوت خشن مثخن بالعاطفة:
-مش بحبك بس، ده انا دايب فيكي يا عيون عمار.
ثم تحرك إبهامه ليتلمس ببطء مُذيب تلك الشامة البُنية التي تزين جانب ثغرها بإغراء يعجز قلبه الواهن في حبها عن التصدي له، وخرج صوته مُحترق كإحتراق مشاعره بعشقها:
-والشامة دي آآه منها، جننتني زي صاحبتها.
ودون لحظة انتظار اخرى كانت شفتاه تلتقي بشامتها في قبلة رقيقة عميقة جعلت جنة ترتجف وكأنها ورقية في مهب رياح عاتية من العواطف..
تلك المشاعر التي يغدقها بها فجأة… تلك الصورة المتكاملة الأركان المرسومة لها في باطن عقله، جعلتها تكره صورتها الحقيقية المسخة في الواقع… هي ليست بهذا الكمال بل هي التي لا تستحقه… هي التي خدعته… هي الكاذبة التي بنت حياتها معه على كذبة !
ودون شعور منها لم تستطع السيطرة على دموعها التي أطلقت سراحها دون قدرة على كتمانها أكثر، لتتسع عينا عمار بذهول وهو يسألها باستنكار:
-انتي بتعيطي ليه دلوقتي؟!
ولكن لم تجيبه بل استمرت في بكائها وهي تمسح عيناها بطرف ملابسها كالأطفال.. ليسألها بنبرة متخبطة متوترة:
-طب أنتي مش بتحبيني ومش عايزاني؟ طب هما أجبروكي توافقي عليا؟
فهزت رأسها نافية وبنبرة طفولية من بين بكاءها ردت بتلقائية:
-لأ، انا بحبك.
حينها أطلق عمار زفير عميق مرتاح وكأنها حررته من سجن القلق الذي حبسه لثوانٍ، ليمسح دموعها برفق وهو يسألها في حنو وكأنه يتحدث مع طفلته الصغيرة وليست زوجته:
-طب ممكن أفهم بتعيطي ليه دلوقتي؟
فلم تجيب سوى بنفس الاجابة وكأنها لا تحفظ سواها:
-عشان بحبك.
كلمتها البسيطة التي تكررها على مسامعه للمرة الثانية في نفس الدقيقة حبست أنفاسه وشعر كأن احدهم يطلق المفرقعات بين خلاياه في تلك اللحظة..
ليضحك بخفوت ثم داعب طرف أنفها بأنفه وهو يشاكسها متمتمًا:
-نكدية بس قمر.
ابتسمت هي الاخرى دون ارادة منها، ليسألها بصوت عميق مبحوح:
-قوليها تاني.
ثم أشار لها بأصابعه محذرًا:
-بس من غير عياط وحياة امك، مهو انا مستناش سنة قبل ما اخطبك وسنة بعد ما اخطبك عشان في الاخر تيجي تقوليهالي وانتي بتعيطي!
تعالت أنفاسها بتوتر رهيب ولكنها لم تبخل عليه فهمست برقة أذابت المتبقي من ثباته:
-بحبك يا عمار.
لم ينتظر أكثر ومال ليقتطف ثغرها بقبلة شغوفة من عاشق طال إنتظاره ليرتوي من منبع حبها الذي ظنه بعيدًا… بعيدًا جدًا.
وحينما شعرت جنة بحركاته تزداد جرأة، حاولت الاستسلام لتلك الموجة من العاطفة التي تسحبها، ولكن كلما أغمضت عيناها مع حركة يداه التي تعبث بملابسها شعرت بذاك الكابوس يعود من جديد ليتجسد أمامها في تلك اللحظة..!
فابتعدت عنه مسرعة وهي تهز رأسها نافية، ليعقد عمار ما بين حاجبيها متسائلًا:
-مالك يا حبيبي؟
فعضت هي على طرف شفتاها بحرج شديد وهي تهمس له بتوسل خفيض:
-خلينا نستنى شوية والنبي يا عمار.
ظن عمار أن الخوف مُثبت بقلبها كأي فتاة ليلة زفافها، فأومأ لها برأسه يبثها الأمان:
-ماشي يا حبيبي متخافيش وقت ما تحبي وتبقي مستعدة.
اومأت له برأسها مع ابتسامة ضعيفة ممتنة رسمتها بصعوبة، ليسحبها هو من يدها برفق ثم تسطح على الفراش وسحبها لأحضانه مغمضًا عيناه بارتياح عميق، بعد أن قبل قمة رأسها بعمق وهو يحيط بها بذراعيه جيدًا……
*****
عادت من ذكرياتها وهي تمسح دموعها المنهمرة، أسمه “عمار” وهو عمار بالفعل… جعل من حياتها التي ظنت انها اصبحت صحراء جرداء قاحلة، أرض خضبة تملأها الزهور الفواحة، لم تكف عن لوم نفسها، ولكن ماذا عساها كانت تفعل؟!..
هل كانت تضمن أن سُمعتها لن تكون علكة في أفواه الناس هنا وهناك؟…
إنتهت من تنظيم ملابسها في تلك الحقيبة، ثم بدأت تغير ملابسها…
…………………………………………….
بعد ساعات قليلة….
عاد “عمار” بعد ساعات لم يكن بها يعرف أين وجهته، او ماذا يفعل ؟… كل ما يعرفه أنه منزوع الشعور بالحياه وما فيها، داخله شعلة نار ضارية تُسكب عليها أفكاره كالزيت لتزيدها سعيرًا…
وصل أمام باب منزله، فتنفس بعمق… ها هو لأول مرة سيدخل شقته وحيدًا وهي ليست بها او معه، أخرج مفاتيحه وكاد يفتح الباب ولكن تسمر مكانه فجأة حينما رأى شقيقه يفتح الباب ويتحرك ليخرج على عجلة من أمره، فتجمد عمار مكانه للحظات دون استيعاب وهو يرى شقيقه يخرج من منزله بسرعة، وزوجته بالداخل…. بمفردهما……!!!
الفصل الثاني من هنا
في نهاية مقال رواية وصمات بالجمله كاملة حتي الفصل الأخير بقلم رحمه سيد نختم معكم عبر بليري برس