رواية غرورها جن جنوني الفصل الخامس والعشرون 25 بقلم ابتسام محمود
من خلال موقع بليري برس تستعرض معكم في هذا المقال ،رواية غرورها جن جنوني الفصل الخامس والعشرون 25 بقلم ابتسام محمود ، لمزيد من التفاصيل حول المقال تابع القراءة
رواية غرورها جن جنوني الفصل الخامس والعشرون 25 بقلم ابتسام محمود
الفصل الخامس والعشرون
رواية غرورها جن جنوني
للكاتبة ابتسام محمود الصيري
بعدما أصبح كالمجنون، لم يقوَ على فعل أي شيء غير أن يبلغ أباه، الذي لم يضيِّع وقتًا هو وزوجته ووصلا لهما في الحال، كان “مستقبل” كالوحش الهائج لا يسمح لأحد بلمس أخيه، حتى لا يصيبه بسوء ويجعله يفارق الحياة.. مع أنه لم يتأكد أنه على قيد الحياة. وصل “مهيمن” ومعه فريق طبي كامل، حمله وصعدوا به إلى حجرة، كانت “نايا” تنهار من البكاء فأمسكها زوجها يهدأ من روعها:
– قلبي اهدي هيبقى كويس، الدكتور طمني.
– قلبي وجعني أوي يا مهيمن.
– اطمني هيبقى بخير، أنا عمري كذبت عليكي.
هزت رأسها بنفي، ثم خبأت رأسها داخل صدره عندما رأت أهل “كاميليا” يأتون نحوهما، فقالت والدتها:
– بنتي حصلها إيه؟
اكتفى “مهيمن” بمط شفتيه بعدم المعرفة، كان “مستقبل” يستند على حائط غرفة توأم روحه، يشعر بأن قدميه لا تكاد تحملانه، يحاول أن يتماسك حتى لا ينهار، روحه يقسم بأنها على وشك أن تفارقه؛ لأنها بالداخل ولا يعلم ما أصابها. ظل يدعو الله بأن يخرج له سالمًا؛ فحياته لا تساوي شيئًا بدون نصفه الآخر، بعد فحص الأطباء لحالته، وجدوا بأنه فقد الوعي فقط من أثر الضربة، أفاق يهلوس باسم والدته وهو ينادي عليها بخوف، خرج الأطباء وسمحوا لهم بالدخول، ودلف طبيب من غرفة العمليات حتى يطمئن أهل “كاميليا” على ابنتهم فقد كانت حالتها خطيرة؛ كسر في الجمجمة، وكسر في الظهر، ونزيف داخلي، فأزاد في رعبهما.
جلست “نايا” بجوار ابنها تقبل رأسه، أمسك يدها قبلها بوهن، وقال بصوت متعب هامس:
– ماما ورق تجاربك اتسرق.
– يا حبيبي أهم حاجة عندي في الدنيا أنت، يولع أي حاجة.
انتفض “مهيمن” بذعر، وبحلقت عينه:
– عرفت من فين؟
أجابه وهو يمسك رأسه:
– كاميليا اللي سرقته.
اشتد غضب “مهيمن” من هذه البلهاء، فوضحت “نايا” بهدوء وهي تمسك يد زوجها المستشيط غضبًا:
– يا حبيبي الورق اللي أخدته ولا هيوصلها لحاجة، دا ورق أنا عملته علشان أضلل بيه أي حد.
– يبقى علشان كده كانوا عايزين يقتلوها.
قالها” مستقبل” بتفهم، فأردف” مهيمن” باطمئنان:
– ارتاح يا حبيبي الحمد لله حصل خير؟
بصره وهو يحاول أن ينهض مستندًا على يد أخيه:
– بابا أنا معايا إثبات براءتي، “كاميليا” هي اللي حطت في العصير منشط جن…
وضع يده على شفتيه، يخبره بحب:
– حبيبي حمد الله على سلامتك.
– يعني مش زعلان مني.
– بعد ما نشفت دمي، نسيت كل حاجة.
عاد يسأله بفرحة لا توصف:
– يعني موافق أتجوز زينة؟
ابتسم ابتسامة بشوشة وهو يجيبه:
– لو هي هتوافق ما عنديش مانع.
رفع ظهره بألم من على الفراش، وهو يضع يده على رأسه، فرمقه والده باستغراب:
– رايح فين؟!
– هروحلها، مش هضيع ثانية واخلي قلبها شايل مني.
وبعدما نهض أكمل:
– بابا بلاش حد يقول لأهل كاميليا الحقيقة، كفاية وجع موتها.
زفر “مهيمن” أنفاسه بحنق وقال بتزمجر:
– أولًا هي في أوضة العمليات، وثانيًا ملناش دعوة هي تقول اللي تقوله.
– لا يا بابا بعد إذنك، بلاش تبقى في نظرهم زبالة مهما كان دي بنتهم، ممكن تقولهم حصلت حادثة.
– حبيبي ما ينفعش في مباحث وإجراءات كتير بتحصل.
– هما هيقفلوا على الموضوع وهيقولوا انتحرت، فالأفضل يتقال حادثة.
– تمام يا حبيبي هتكلم مع المستشفى، وهعمل تحريات لحد ما اوصل للناس اللي عملوا فيها كده.
– شكرًا يا بابا.
قالها بابتسامة تحمل الرضى، فرد عليه بحب:
– أنت وإخواتك عندي بالدنيا.
وبعد إنهاء كلامه فتح ذراعيه له بحنان، ارتمى داخل حضنه بسعادة طفل صغير رضي والده عنه بعد غضبه، ثم عانق والدته وأخاه. وقبل أن ينصرف سمع صوت صراخ بالخارج، توجهوا جميعهم خارج الغرفة، كانت والدة “كاميليا” تصرخ بحرقة على ابنتها التي فارقت الحياة، بسبب غبائها وتملكها لشخص لا تعدّه إلا (بودي جارد) للحماية فقط، ففعلت كل ما فعلت لمجرد أن يكون ملكها ولكي تتباهى باستحواذها على شاب كل البنات تتمناه، وتصبح هي الفائزة الوحيدة به، ولا يستطيع أحد أن يتنمر عليها أو يقف في طريقها، فالحب لا يجتمع مع الأنانية والتملك أبدًا. وهذا هو جزاؤها حين خانت من وثق بها وفضل أن يضحي بحياته من أجلها.
هتفت والدتها بقهر ونار:
– موت بنتي يا وجود.
بصر “مهيمن” ابنه الذي وعده أنه لن يقول الحقيقة بناء عن رغبته، وقبل أن ينهي “وجود” حديثه:
– ده قضاء ال…
قاطعه مَن استكفى ظلم أخيه، وأبلغها بعصبية:
– روحي اسألي بنتك كانت هنا ليه قبل ما تتكلمي معانا، ولا أقولك أنا أوفر عليكي الوقت.
– بس يا مستقبل.
– لا مش هسكت، وكفاية بقى إنك تتقوقع جوه الظلم، وتقبّلك إنك تعيش دور الظالم.
زجه حتى يجعله يصمت، فقالت “نايا” بحزم وحدة:
– بنتك اتبلت على ابني، وكانت جاية تعمل عملية زرع جنين علشان تغصب ابني على الجواز بعد ما عرفها على حقيقتها.
تجمد “وجود” مكانه وترك أخاه قائلًا بلوم:
– ليه قولتي يا ماما؟
ردت عليه بعصبية:
– وجود أنا ما بحبش النفخ تمام، وعلى ما أظن أنا ما وعدتكش إني مش هتكلم.
هتف “مهيمن” بحدة حتى ينهي النقاش الحاد، لكنه سعيد بمن قالوا الحقيقة ووفروا عليه تأنيب الضمير، من كلتا الحالتين؛ في صمته أو حديثه:
– خلاص خلص الموضوع اتفضلوا كلكم قدامي.
ثم نظر لوالديها المصدومين بما فعلته ابنتهما:
– بنتكم عملت أكتر من كده، وعلى العموم لا يجوز على الميت غير الرحمة، البقاء لله.
أخذ عائلته وتوجه على سيارته، بضمير مرتاح تجاه ابنه، كان “وجود” في حالة ضيق مما صدر من والدته وأخيه المتهور، فقال “مهيمن” قاطعًا للصمت والنظرات الثاقبة:
– وجود اللي حصل هو الصح، ولو ما كنتش اديتك كلمة إني ما اتكلمش كنت قلت كل حاجة، ليه تخليهم يفتكروا إن بنتهم ماتت بسبب حادثة بالعربية أنت السبب فيها ويفضلوا شايلين منك، لازم كانوا يعرفوا إن بنتهم ماتت بسبب طمعها، وحب الاستحواذ والتملك، وخيانتها للبيت اللي وثق فيها.
– تؤتؤتؤتؤ، أنا ما كنتش بثق فيها.
قالتها “نايا” وهي تبتسم وتلوح بيدها، فجعلت كل من بالعربة يضحكون، نظر لابنه واضعًا يده على كتفه:
– طبق الورقة اللي عدت، وابدأ حياتك على ورقة بيضة من غير غش ولا خداع.
أومأ برأسه مبتسمًا ونزل أمام فيلا “شادي”، كلم والدها على الهاتف وأخبره بصدق مشاعره وكل ما حدث له اليوم، وطلب أن يعترف لـ”زينة” بحبه. تأكد من مشاعره تجاه ابنته فوافق أن يتحدث معها، وترك كل أعماله وذهب لفيلاته. وجد “وجود” ينتظره بالخارج، دخلا معًا بعدما اعتذر له مرة ثانية. وحين دخلا للداخل رفضت “فريدة” صعوده لها غرفتها، التي تمكث بها ولا تغادرها بالأيام الأخيرة، لكنه بعد محاولات كثيره وإلحاح أقنعها ووافقت، صعد الدرج وهو يسابق الثواني، طرق بابها بهدوء وكانت بجانبه والدتها، لم ترد عليهما ففتح الباب بخفة، ودخل للداخل ووقفت “فريدة” بالخارج، اقترب من فراشها ووقف يتأملها بملامح مشتاق، وهي نائمة كالأطفال. وصل لأنفها عطره المميز فلم تبالِ، ثم شعرت بأنفاسه العالية، فتحت عينيها بوهن ورأته أمامها فلم تصدق عينها، فتقول لذاتها وهي حزينة:
– ده أكيد حلم.
ابتسم وهو يهز رأسه ينفي جملتها، ثم أخبرها بغمزة:
– صباح العسل يا قمر.
ما زالت لا تصدق، رفعت يدها تمسح عينها الناعستين وتقول بتأكيد:
– حلم صح.
وضع يده بجيب بنطاله وهو يتطلعها بابتسامتة ولم يجبها، تنزل من على فراشها تبصره بتفحص، جلس القرفصاء في قبالتها، ممسكًا علبة صغيرة بها خاتم، مرددًا:
– ممكن توافقي تتجوزيني.
أدارت ظهرها وقامت بمسح عينيها كثيرًا، وقرصت أذنيها، ثم استدارت نحوه بخفة تقول بسرعة:
– حلم حلم ح…
حتى أصبحت أمامه، ينهض ويمسك يديها يقاطعها بملامح مسترخية:
– تتجوزيني..
تعالت أنفاسها من لمسته، قائلة بفرحة:
– أكيد مش حلم بالذمة، أنت بجد!
– وبحبك وعمري في حياتي ما حبيت غيرك.
أذهلها تحوله فأردفت بعتاب:
– طب اللي قولته ليا..
قطع حديثها بقوله الصادق:
– هفهمك كل حاجة بعدين، مش عايز أقول دلوقتي غير إني بحبك وقلبي ما دقِّش غير ليكي.
تشبثت بيده وهي تصارحه بسعادة بالغة:
– وأنا بعشقك والله يا وجود.
دلف لهما أبوها، أبعدت يديها من يديه، وقالت بنبرة حرجة:
– بابا وجود اعترف بحبه، وطلبني للجواز.
مسح “وجود” طرف أنفه قائلًا بترجٍ:
– عمو أتمنى حضرتك توافق.
بصر “شادي” ابنته التي كانت ضحكتها تعتلي شفتيها الكرزيتين، أومأ برأسه بالموافقة، ركضت “زينة” تعانق والديها بحب وفرحة.
★★★★★
توجه “مستقبل” لكافتريا اعتاد الجلوس بها حتى يريح أعصابه من كل الأحداث التي مر بها اليوم، جلس بجانبه رجل شعر أنه يعرف ملامحه جيدًا، فقال له الشاب:
– مستقبل أخبارك، شكلك ناسيني.
تذكره جيدًا، وعلم أنه هو من كان يقف مع خطيبته بالنادي، ادعى عدم المعرفة حتى يفهم ماذا يقصد فرفع حاجبه الأيسر يجيب:
– معلش مش واخد بالي، مين الشبح؟
– أنا زميل ليك، كنت معاك في المدرسة يا جدع.
ابتسم بسخرية ثم رد وهو يصافحه باستهزاء:
– آه زميلي، أهلا بيك يا زميلي.
– بقولك إيه ما تيجى نسهر في أي بار الجو هنا خنيق.
– وماله هنا؟
قالها بعدما طال النظر فيه، حتى يستشف مقصده بهذه اللعبة، فرد عليه بتلعثم:
– إيه يا جدع، قوم معايا نرجع أيام زمان.
شعر أنه يصنع مكيدة له بالتأكيد، لكنه استجاب حتى يفهم ماذا يريد منه، من كان يقف مع خطيبته؟ وشرد فيما قالته من قبل.. أنها تحب وستتزوج غيره، نهض معه حتى ينهي كل الشكوك. حين نزل من السيارة وجد فتاة تشاغله، لم يبالِ ودخل مع من يدعي الصحوبية، وأصر عليه أن يشرب، وكان يريد الفتك بهذا الرجل لكنه تماسك وسيطر على أعصابه وارتشف رشفة صغيرة، حتى يصل لمعرفة ما يدبره له.
★★★★★
تمسك “توتا” اختبار حمل بين يدها تنظره بملامح سعيدة، ثم تنهض مقررة الاعتراف بحبها لزوجها، وتستفسر عن كل شيء منه حتى لا تظلمه، أبدلت ثيابها وذهبت إلى صالة التدريب لم تجد أحدًا، توجهت إلى الطابق العلوي لمكتبه سمعت صوت نحيب فتاة، فتحت الباب بدون استئذان فوجدت “لاروا” تجلس، ويمسك “حازم” يدها يهدئها بملامح متشنجة، وعندما شعروا بوجودها قام وتقدم نحوها، كانت تعتصر المقبض أسفل يدها، دموعها تهدد بالانهيار.. لعنت نفسها وقلبها، فقال “حازم” بهدوء وهو يرى ملامحها الغاضبة:
– افهمي لو سمحت.
صرخت وهي تبعد يده التي كان يمسك بها كتفها:
– مش عايزة افهم حاجة، أنا اللي غلطانة.
اقتربت “لاروا” تبلغها وهي تمسح دموعها بأطراف أناملها بلكنة إيطالية:
– أنا وحازم…
لم تتحمل “توتا” رؤيتهما وسماع صوتها، أمسكتها من شعرها ونزلت بها ضربًا، حملها “حازم” بقوة من عليها قائلًا بصرامة وأمر:
– امشي يا توتا من قدامي.
اندهشت لقوله، فتقول بخذلان:
– بتطردني أنا.
كرر جملته بعصبية مفرطة، تطلعته بحدة وهي تصك أسنانها بغل، تولي ظهرها تغلق خلفها الباب بقوة، جعلته يصدح بصوت عال فجعلت المبنى يهتز بأكمله، مشت تبكي نادمة على حبها له.
وعند رحيلها نظر لـ”لاروا” واعتذر لها، جلست تبكي أكثر ومنهارة، أعلن هاتفه وصول رسالة مكتوب بها:
“شقيق لاروا قد عرف مكانكما وسيأتي لكما في الحال “.
لمَّ متعلقاتهما سريعًا وأمسك يدها وحاول فتح مقبض الباب لكنه لم يفتح، حاول كثيرًا وباءت كل محاولاته بالفشل. كانت الفتاة تتنفس بصعوبة وهو أصبح كجمرة من النار من كثرة العصبية وخوفه عليها من تهور أخيها، انتبه من تفكيره وتوتره على سماع صوت سيارات تقف أسفل المبنى؛ أمسك بكرسي وقف عليه ورفع غطاء المبرد المركزي، ثم حمل “لاروا” وجعلها تختبئ بالداخل. كانت خائفة، طمأنها أنها ستكون بخير، ثم أرجع الغطاء مكانه، وصعد على النافذة، اختبأ بالجانب. دخل أخوها ومعه رجال كثيرة، صعدوا لمكتبه كما أخبرته السكرتيرة التي أغلقت عليهم الباب، لكن لم يجدهما، بحث عنهما في كل مكان بالمكتب، حتى قبض على يده قائلًا باللهجة الإيطالية بصوت عالٍ:
– لن أرحمكما يوم تكونان فيه بين قبضتي.
ثم جمع رجاله وانصرف، لم يضيِّع “حازم” وقتًا وأخذ “لاروا” وهبطا للأسفل بعدما انصرفوا، وصعدا سيارته.
★★★★★★★
قام الشاب الذي يجلس مع “مستقبل” بالإشارة لفتاة تقترب منهما، كان مستقبل يلاحظ كل شيء يحدث لكنه ادعى الغباء، وجد الفتاة تتدلل عليه تريد منه الكثير، تأكد أن هناك شيئًا غريبًا حقًّا.
منذ قليل، الشاب نفسه الذي كان يقف مع” كارما” يعزم عليه بشرب الخمور، والآن يطلب من فتاة أن تقترب إليه، نهض وهو يمسك يدها وعلى ملامحه ابتسامة، وأخذها داخل سيارته ثم وقف في مكان بعيد هادئ، لا يمر أحد به كثيرًا، تحولت ملامحه للغضب؛ صفعها ثم جذبها من شعرها، صرخت بصوت مرتفع، فقال من بين أسنانه:
– بصي يا حلوة يا تقولي مين اللي مسلطك عليا وتاخدي…
قال آخر كلمة وهو يخرج من جيب بنطاله مالًا وحركهم أمام أعينها، ثم أكمل:
يا إما أدفنك هنا، وربنا ما حد يعرف ليكي طريق.
هزت رأسها رعبًا بعدما تلقت آخر ما قاله، ثم اعترفت بأنفاس متقطعة:
– واحد، جالي مع واحدة وطلبوا مني أعمل كده.
– اسمها؟
– مش فاكرة.
امسكها من رقبتها بقوة معيدًا سؤاله، فقالت بخوف:
– مكتوب على التليفون.
تركها وجلب لها شنطتها من المقعد الخلفي، وفتش كل شيء بها بفوضوية، ثم تناول هاتفها وأعطاه لها، وهو يقول:
– ما تحاوليش تلعبي معايا تمام.
أومأت له وهي تبحث بالهاتف:
– اسمها كارما.
تعالى وجهه الغضب:
– اتصلي بيها، وقوليلها حصل.
– بس…
– انجزي يا حيلتها.
أمسكت الهاتف برعب تكلمها، أتاها صوت “كارما” القلق بسرعة، بعدما علمت أنه استجاب لصديقها وشرب، وعلمها أنه أخذها وذهب معها:
– طمنيني.
– حصل.
ردت بصوت مرتعش:
– أنتي متأكدة.
– آه طبعًا.
كان يمسك “مستقبل” شعرها بقوة، وعندما أغلقت “كارما” الخط انهارت ووقعت أرضًا، عبراتها تنهمر من مقلتيها بحرقة.
ترك “مستقبل” شعر الفتاة، وحرك العربة بسرعة جنونية، ولم يعطِ لها فرصة للحديث، أوصلها لمكان يوجد به سيارات أجرة وأنزلها، وذهب لخطيبته يفهم كل شيء، لماذا فعلت كل هذا به بعدما وعدها أنه لن يشرب، ولن يكلم نساء؟ فلماذ ترسل له فتاة ليل وهي تعلم جيدًا أنه لم يفعل ذلك يومًا خوفًا من حساب الله، دخل بيتها وجدها تبكي بانهيار، اقترب منها وقلبه يعتصر ألما وخذلانًا، فتنهض بكبرياء:
– جاي ليه يا مستقبل؟
– جاي افهم.
– تفهم! دا أنا اللي نفسي افهم إمتى هتبطل تبقى فلاتي وبتاع التاء المربوطة.
– على ما أظن وعدتك.
– وما شاء الله وعدت وخليت.
قالتها وهي تشعر بالاختناق، فقال بتعجب:
– خليت! طب بالنسبة للمسلسل الهندي اللي حصل، حصل ليه؟ ليه يا كارما مش بتثقي فيا؟
نظرت له بوجع وحرقة، ثم مسحت عبراتها بكف يدها، تبلغه بحدة:
– وأنت من إمتى كنت مش بتاع بنات، ولا سكري؟!
– بس أنا وعدتك، ليه يا كارما تعملي فيا كده؟
– الثقة يعني الأمان، وأنا ما بقيتش أحس معاك بالأمان، ملكش دعوة بيا يا مستقبل.
أجابته بصوت عالٍ، أشعل بركان غضبه الذي كان يسيطر عليه:
– أنتي هبلة، تبعتيلي بنت تغريني، وبتتكلمي عن الأمان؟
– آه بعت، وكنت صح إني اختبرك، وأديك طلعت زي ما أنت، يا بتاع المكن.
زفر أنفاسه وهو يمسح وجهه يبلغها بهدوء نجح أن يتقنه:
– مكن إيه؟
– اسأل نفسك.
فشلت عينه في إخفاء غضبه، وقال بحدة:
– وطي صوتك، واهدي علشان نتفاهم.
– مش هوطي وابقى واطيه زيك، وما تقوليش اهدي الكلمة دي بتعصبني أكتر.
قالتها بعصبية مفرطة وصوت مرتفع، فعجز عن كبت ثورانه هو أيضًا وأبلغها بقوة:
– ما تهديش يا كارما، اتشقلبي في مكانك وصوتي وسمعي أهلك كمان، وبالمرة أزعق أنا كمان وألم العالم علشان يعرفوا إني واطي وخاين وزبالة، وإنك بتروحي تتأمري عليا وفاكرة إني اهبل ومش عارف.
تتعتعت عندما أخبرها بمعرفته، ازدردت ريقها تقول بصوت متلعثم من الاضطراب:
– أنت بتقول إيه؟
رد عليها بثورانه نفسه:
– جيبتي ورا يعني.
– أنت عارف من فين؟
أخرج هاتفه الذي كان يصور كل ما حدث بالسيارة من أول ما أخذ الفتاة من البار حتى أنزلها، وضعت يدها على شفتيها حرجًا:
– بس ما يمنعش إنك شربت، ورحت للمكن اللي أول ما صاحبك قالك عليهم جريت وسيبتني.
ضحك ساخرًا ورد بدهشة:
– مكن إيه اللي بتتكلمي عنه!
– اللي صاحبك بعتلك رسالة وقالك تعالى مكن وأزايز، ورحت وسيبتني بعد ما كنت هتخرجني.
هز رأسه بتفهم ثم أجابها:
– المكن.. مكن بجد، صاحبي كان عايزني أصلحه، يا أم دماغ شمال. وإنما مشيتك ليه دا السؤال اللي جايلك عشانه، مين الشبح اللي كنتي واقفة معاه يا محترمة في النادي، وأول ما شافني بقرب عليكي مشي، اللي جيه لحد عندي يشربني علشان يثبت لك إني ما استاهلكيش ويشقطك هو.
ارتبكت عندما علمت حقيقة المكن، وانصدمت أن صديقتها بعثت الرجل نفسه، فأردفت وهي تنظر لأسفل وتقول بتوتر واستنكار:
– مستقبل إيه اللي بتقوله دا، أنت فاهم غلط.
– ولا غلط ولا صح، ولا عايز افهم من الأساس، اللي بيني وبينك انتهى.
رمشت بعينيها بدهشة، فتقول بوجه شاحب وقلب ينتفض بذعر:
– انتهى إزاي؟
– يعني خلاص خلاويص.. الحكاية خلصت، مستغربة ليه مش كنتي عايزة تنهي من زمان.
أخبرها حديثه ببرود لا مثيل له، ثم نزع دبلتها من إصبعه البنصر، وألقاها أرضًا وهو يحدقها باحتقار، ومشى ولم يستجب لندائها وبكائها.
★★★★★
أوصل “حازم” “لاروا” إلى مكان آمن، ثم ذهب لزوجته وهو يعتليه الغضب، أصبح من الصعب أن يكمل ارتداء ثوب ليس على مقاسه، وينتحل شخصية غريبة عنه.. الآن وضع الستار على قلبه، وترك العنان لعقله ليقول كلمته ويخبره كيف يتصرف حتى يحافظ على ما تبقى، من قلب إنسانة عنيدة لا تستحقه، فلم يكن غباء أنه يتعلق بها، لكن عندما بذل كل جهده في التضحيات شعر بالغباء حقًّا، حين سمح لنفسه أن يصل لهذا الحال، وتعاطفه مع قلبه الذي جعله يقبل دورًا يتعارض مع مبادئه وكرامته.
فتح الباب كالثور الهائج، وهو يهتف بضجيج:
– وصل بيكي تقفلي باب المكتب عليا يا توتا؟
لم تهتم لاتهامه الباطل قائلة بلامبالاة:
– أنت ليك عين ترجع.
اقترب منها ممسكًا بها بعنف وقوة، ناظرًا لها في عينيها بكل غضب، وحزن، ويأس يبلغها بنبرة مرار في حلقه:
– هشششششش مش عايز اسمع صوتك، هما كلمتين هقولهم وهسيبلك الدنيا خالص ومش هتشوفيني تاني.
تركها وسار خطوات بطيئة، يحاول أن يهدئ ثوران ووجع قلبه منها، جلس على أحد المقاعد، ومال بجزعه للأمام، واضعًا يده على مقدمه رأسه، يحاول أن يخفي مدى حزنه، وغمغمت عيناه بدموعه التي لو خانته لانهار منها، ابتلع لعابه وحدقها بألم:
– مش عارف اعمل إيه تاني أكتر من كده علشان تحبيني، جوازنا الشهرين اللي فاتوا كنت فاكر هقدر أخليكي تحسي بيا وتحبيني زي ما بحبك. بس احسدك، أنتي اللي كسبتي وأثرتي فيا قبل شهرين وخلتيني حتى أكره نفسي، هريحك مني خالص وهبعد بعيد أووي، وقلبي دا لو مجرد اشتاق ليكي هطلعه بإيدي علشان ارتاح من الدنيا كلها. حبك مش تعبني بس.. دا خلاني اتخلى عن كرامتي وحاجات كتير مهما أقولها ليكي مش هتفهميها ولا هتحسيها.
نهض من مجلسه يستعد للرحيل، هرولت عليه بلهفة وأمسكت يده ومسدت بأناملها على تعريجات عروقه البارزة كالثعبان يمشى بكل حرية داخل عروقه، وقالت بدموع تنحدر:
– حازم، أنا عرفت الحقيقة كلها وعرفت أنك أنت…
لم يعطها فرصة للحديث، فلت يده من قبضتها وانصرف، خرجت خلفه بسرعة بعدما تناولت مفاتيح سيارتها، وأشارت للحرس ألا يتحركوا معاها، وحين خرجت من البوابة الحديدية، شاهدت بعض الرجال الملثمين ضخام البنيان أخذوا “حازم” داخل سيارة مصفحة. لم تهب المنظر، كل ما كانت تفكر به الوصول إليه حتى يولد حبها الدفين داخلها، حتى وإن خُطفت وعُذِّبت، مهما يكون هذا العذاب فهو أهون من أن يظل عشقها حبيسًا داخلها ولا تصرخ به ليسمع صداه.
★★★★★
كانت سعادة “زينة” لا توصف، اتصلت بـ”كارما” وسردت لها كل شيء حتى تفرحها:
– وجود خطبني.
حاولت كتم شهقاتها وهي تبارك لها، سمعت صوتها يحمل البكاء، فقالت بقلق:
– كاري مالك؟
أجهشت في نوبة بكاء لا تقدر على التحكم في دموعها، فأردفت بانكسار:
– مستقبل سابني.
تساءلت بوجه يعتريه علامات الصدمة:
– ليه حصل إيه؟
قصت عليها ما فعلته من تصرف جنوني، فقالت لها بصدمة:
– إزاي تصرف زي دا يصدر منك أنتي؟
– زينة هو مش ملاك بجناحين، وأنا مش ظلمته، ما لسه بيكلمهم على الواتس والماسنجر، مش بتجني عليه.. نفسى يكون ليا أنا وبس، وياما قولتله عندك حبة دلع زيادة أو كلام زيادة أنا موجودة مش هقولك لا، بس إنه يكلم ستات ويجرح كرامتي دا اللي مش هقبله.
أخبرتها وهي تطلق عنان كلماتها بغيظ وضيق وندم. في الوقت نفسه، قلقت عليها من عصبيتها فقالت بهدوء يخالف ما داخلها:
– كاري اهدي كده، وفكري هترجعي مستقبل إزاي، وبلاش عند؛ لأنك غلطانة.
بكت بندم وحرقة على حبيبها الذي تركها:
– أنا هتقهر.
– اتصرفي وارجعي، حاولي تكسبي ثقته فيكي يا كاري، سيمو بيحبك بس مجروح من اللي عملتيه.
– أنتي صح.. لازم اتصرف، وإن شاء الله أقدر ارجعه ليا زي الأول.
دعت الله أن يجمع شملهم على خير، وأغلقت الهاتف تحمل داخل قلبها الحزن، قائلة لذاتها:
– حظي وحش.. كان نفسي فرحتي تكمل بيكي يا كاري، يا رب رجعهم لبعض، دول بيموتوا في بعض جامد جمودة.
★★★★★★
ظلت “توتا” تمشي خلفهم بدون فقدان أمل، كانت السيارة التي يستقلها تسير بسرعة صاروخ، أسرعت سرعة سيارتها وظلت تردد الشهادة؛ لأنها لم تمش بهذه السرعة من قبل. وصلت العربة منطقة عسكرية مصرية خاصة جدًّا، فتحت بوابة ودخلت للداخل. وبينما اقتربت هي أيضًا من البوابة الحديدية، وجدت حرسًا ملثمين يرتدون بدلة عسكرية وصديري واقيًا من الرصاص، رفعوا عليها السلاح، نزلت من العربة بقدم مرتجفة ترفع يدها:
– أنا مرات حازم اللي دخل حالًا.
أنكروا أن أحدًا دخل أمامها، وشدوا أجزاء سلاحهم.
رواية غرورها جن جنوني
للكاتبة ابتسام محمود الصيري
الفصل السادس والعشرون من هنا
في نهاية مقال رواية غرورها جن جنوني الفصل الخامس والعشرون 25 بقلم ابتسام محمود نختم معكم عبر بليري برس